يُعَارِضُ الْقَطْعِيَّ.
وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي أَوْقَاتٍ وَمَجَالِسَ، وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُنْكِرُهُ، بَلْ كُلُّهُمْ تَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ. وَلِهَذَا لَمْ يُصرّ أَحَدٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ عَلَى طَلَبِ الْمِيرَاثِ، وَلَا أَصَرَّ الْعَمُّ عَلَى طَلَبِ الْمِيرَاثِ، بَلْ مَنْ طَلَبَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأُخْبِرَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَعَ عَنْ طَلَبِهِ. وَاسْتَمَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إِلَى عليّ، فلم يغير شيئا من ذلك ولا قسم لَهُ تَرِكَةً.
الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ قَدْ أَعْطَيَا عَلِيًّا وَأَوْلَادَهُ مِنَ الْمَالِ أَضْعَافَ أَضْعَافِ مَا خَلَّفَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْمَالِ. وَالْمَالُ الذي خلّفه النبي - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَنْتَفِعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْهُ بِشَيْءٍ، بَلْ سلَّمه عمر إلى العباس - رضي الله عنه - م يَلِيَانِهِ وَيَفْعَلَانِ فِيهِ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ. وَهَذَا مِمَّا يُوجِبُ انتفاء التهمة عنهما في ذلك.
الوجه الحادىعشر: أن قوله تعالى {وَوَرِثَ سُلَيْمَانَ دَاوُد} (?) . وقوله
تعالىعن زكريا: {َ فهبْ لِي مِنْ لَّدُنْكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوب} (?)
. لَا يَدُلُّ عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ. لِأَنَّ الْإِرْثَ اسْمُ جِنْسٍ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ، وَالدَّالُّ عَلَى مَا بِهِ الِاشْتِرَاكُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا بِهِ الِامْتِيَازُ. فَإِذَا قِيلَ: هَذَا حَيَوَانٌ، لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنْسَانٌ أَوْ فَرَسٌ أَوْ بَعِيرٌ.
وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ ((الْإِرْثِ)) يُستعمل فِي إِرْثِ الْعِلْمِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمُلْكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الِانْتِقَالِ. قَالَ تَعَالَى: {ُثمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} (?) .
وَقَالَ تَعَالَى: {أُوْلَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ. الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هَمْ فِيهَا خَالِدُون} (?) . وغيرها كثير في القرآن.
وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)) رواه أبو داود وغيره (?) .
الْوَجْهُ الثَّالِثَ عَشَرَ: أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِهَذَا الْإِرْثِ إِرْثُ الْعِلْمِ وَالنُّبُوَّةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ لَا إِرْثُ الْمَالِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانَ دَاوُد} ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ دَاوُدَ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ كَثِيرُونَ غير سليمان، فلا يختص سليمان بماله.