فِي خُطْبَتِهِ، وَاسْتَمَرَّتْ هَذِهِ الْبِدْعَةُ إِلَى هَذَا الزمان)) .

فَيُقَالُ: الْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ ذِكْرَ الْخُلَفَاءِ عَلَى الْمِنْبَرِ كَانَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، بَلْ قَدْ رُوى أَنَّهُ كَانَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ الله عنه -.

الوجه الثاني: أنه قِيلَ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ ذَكَرَ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ لَمَّا كَانَ بَعْضُ بَنِي أُمَيَّةَ يسبُّون عَلِيًّا، فعوَّض عَنْ ذَلِكَ بِذِكْرِ الْخُلَفَاءِ وَالتَّرَضِّي عَنْهُمْ، لِيَمْحُوَ تِلْكَ السُّنَّةَ الْفَاسِدَةَ.

الْوَجْهِ الثَّالِثُ: أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ إِحْدَاثِ الْمَنْصُورِ وَقَصْدِهِ بِذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رضي الله عنه - ما تَوَلَّيَا الْخِلَافَةَ قَبْلَ الْمَنْصُورِ وَقَبْلَ بَنِي أُمَيَّةَ، فَلَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِ الْمَنْصُورِ لَهُمَا إِرْغَامٌ لِأَنْفِهِ وَلَا لِأُنُوفِ بَنِي عَلِيٍّ، إِلَّا لَوْ كَانَ بَعْضُ بَنِي تيْم أَوْ بَعْضُ بَنِي عَدِيٍّ يُنَازِعُهُمُ الْخِلَافَةَ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يُنَازِعُهُمْ فِيهَا.

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لَا يَقُولُونَ: إِنَّ ذِكْرَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْخُطْبَةِ فرضٌ، بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى عَلِيٍّ وَحْدَهُ، أَوْ ذِكْرِ الِاثْنَى عَشَرَ هُوَ الْبِدْعَةُ الْمُنْكَرَةُ الَّتِي لَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ، لَا مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَا مِنَ التَّابِعِينَ، وَلَا مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، وَلَا مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ. كما يقولون: إن سب عَلِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ، فإن كان ذِكْرُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ بِدْعَةً، مَعَ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَفَاءِ فَعَلُوا ذَلِكَ، فَالِاقْتِصَارُ عَلَى عَلِيٍّ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَّةِ أوْلى أَنْ يَكُونَ بِدْعَةً، وَإِنْ كَانَ ذِكْرُ عليٍّ لِكَوْنِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مُسْتَحَبًّا، فَذِكْرُ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ هُمُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أوْلى بِالِاسْتِحْبَابِ، لكن الرَّافِضَةَ مِنَ الْمُطَفِّفِينَ: يَرَى أَحَدُهُمُ القَذَاة فِي عُيُونِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَلَا يَرَى الْجِذْعَ الْمُعْتَرِضَ فِي عَيْنِهِ.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الثَّلَاثَةَ اتفق عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ، وَكَانَ السَّيْفُ فِي زَمَانِهِمْ مَسْلُولًا عَلَى الْكُفَّارِ، مَكْفُوفًا عَنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا عَلِيٌّ فَلَمْ يَتَّفِقِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مُبَايَعَتِهِ، بَلْ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ تِلْكَ الْمُدَّةَ، وَكَانَ السَّيْفُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مَكْفُوفًا عَنِ الْكُفَّارِ مَسْلُولًا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَاقْتِصَارُ الْمُقْتَصِرِ عَلَى ذِكْرِ عَلِيٍّ وحده دون من سبقه، هو تَرْكٌ لِذِكْرِ الْأَئِمَّةِ وَقْتَ اجْتِمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَانْتِصَارِهِمْ عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَاقْتِصَارٌ عَلَى ذِكْرِ الْإِمَامِ الَّذِي كَانَ إِمَامًا وَقْتَ افْتِرَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَطَلَبِ عَدَوِّهِمْ لبلادهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015