الْأَسْمَاءِ. كُلُّ هَذَا مِنَ التَّعَصُّبِ وَالْجَهْلِ، وَمِنْ تَعَصُّبِهِمْ وَجَهْلِهِمْ أَنَّهُمْ يُبغضون بَنِي أُمَيَّةَ كُلَّهُمْ لِكَوْنِ بَعْضِهِمْ كَانَ مِمَّنْ يُبْغِضُ عَلِيًّا.
وَقَدْ كَانَ فِي بَنِي أُمَيَّةَ قَوْمٌ صَالِحُونَ مَاتُوا قَبْلَ الْفِتْنَةِ، وَكَانَ بَنُو أُمَيَّةَ أَكْثَرَ الْقَبَائِلِ عمَّالا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ لما فتح مكة استعمل عليها عتّاب ابن أسيد بن أبي العاصي بْنِ أُمَيَّةَ، وَاسْتَعْمَلَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَأَخَوَيْهِ أَبان بْنَ سَعِيدٍ وَسَعِيدَ بْنَ سَعِيدٍ عَلَى أَعْمَالٍ أُخر، وَاسْتَعْمَلَ أبا سفيان بن حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ عَلَى نَجْرَانَ أَوِ ابْنَهُ يَزِيدَ، وَمَاتَ وَهُوَ عَلَيْهَا، وَصَاهَرَ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ببناته الثلاث لِبَنِي أُمَيَّةَ،، فَزَوَّجَ أَكْبَرَ بَنَاتِهِ زَيْنَبَ بِأَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَحَمِدَ صِهْرَهُ لَمَّا أَرَادَ عليٌّ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِبِنْتِ أَبِي جَهْلٍ، فَذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ، وَقَالَ: ((حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فوفَّى لي)) . وزوَّج ابْنَتَيْهِ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ، وَقَالَ: ((لَوْ كَانَتْ عِنْدَنَا ثَالِثَةٌ لَزَوَّجْنَاهَا عُثْمَانَ)) .
وَكَذَلِكَ مِنْ جَهْلِهِمْ وَتَعَصُّبِهِمْ أَنَّهُمْ يُبْغِضُونَ أَهْلَ الشَّامِ، لِكَوْنِهِمْ كَانَ فِيهِمْ أَوَّلًا مَنْ يُبْغِضُ عَلِيًّا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَكَّةَ كَانَ فِيهَا كفّار ومؤمنون، وكذلك المدينة كَانَ فِيهَا مُؤْمِنُونَ وَمُنَافِقُونَ، وَالشَّامُ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ لَمْ يَبْقَ فِيهِ مَنْ يَتَظَاهَرُ بِبُغْضِ عَلِيٍّ، وَلَكِنْ لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ يَسْحَبُونَ ذَيْلَ الْبُغْضِ. وَكَذَلِكَ مِنْ جَهْلِهِمْ أَنَّهُمْ يَذُمُّونَ مَنْ يَنْتَفِعُ بِشَيْءٍ مِنْ آثَارِ بَنِي أُمَيَّةَ، كَالشُّرْبِ مِنْ نَهْرِ يَزِيدَ، وَيَزِيدُ لَمْ يَحْفِرْهُ وَلَكِنْ وسَّعه، وَكَالصَّلَاةِ فِي جَامِعٍ بَنَاهُ بَنُو أُمَيَّةَ. وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يصلِّي إِلَى الْكَعْبَةِ الَّتِي بَنَاهَا الْمُشْرِكُونَ، وَكَانَ يَسْكُنُ فِي الْمَسَاكِنِ الَّتِي بَنَوْهَا، وَكَانَ يَشْرَبُ مِنْ مَاءِ الْآبَارِ الَّتِي حَفَرُوهَا، وَيَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ الَّتِي نَسَجُوهَا، وَيُعَامِلُ بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي ضَرَبُوهَا. فَإِذَا كَانَ يَنْتَفِعُ بِمَسَاكِنِهِمْ وَمَلَابِسِهِمْ، وَالْمِيَاهِ الَّتِي أَنْبَطُوهَا، وَالْمَسَاجِدِ الَّتِي بَنَوْهَا، فَكَيْفَ بِأَهْلِ القبلة؟ !
فلو فرض أن يزيد كان حافراً وَحَفَرَ نَهْرًا، لَمْ يُكْرَهِ الشُّرْبُ مِنْهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنْ لِفَرْطِ تَعَصُّبِهِمْ كَرِهُوا مَا يُضَافُ إِلَى مَنْ يُبْغِضُونَهُ.
وَلَقَدْ حَدَّثَنِي ثِقَةٌ أَنَّهُ كَانَ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ كَلْبٌ فَدَعَاهُ آخَرُ مِنْهُمْ: بُكَيْرٌ، فَقَالَ صَاحِبُ الْكَلْبِ: أَتُسَمِّي كَلْبِي بِأَسْمَاءِ أَصْحَابِ النَّارِ؟ فَاقْتَتَلَا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جَرَى بَيْنَهُمَا دَمٌ. فَهَلْ