وَزُهْدِهِ فَأَكْرَمَهُ الْمُتَوَكِّلُ، ثُمَّ مَرِضَ الْمُتَوَكِّلُ فَنَذَرَ إِنْ عوفيَ تَصَدَّقَ بِدَرَاهِمَ كَثِيرَةٍ، فَسَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُمْ جَوَابًا فَبَعَثَ إِلَى عَلِيٍّ الْهَادِي، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِثَلَاثَةٍ وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا، فَسَأَلَهُ
الْمُتَوَكِّلُ عَنِ السَّبَبِ، فَقَالَ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {َلقدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةً} (?) وكانت لمواطن هَذِهِ الْجُمْلَةَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزَا سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزَاةً، وَبَعَثَ سِتًّا وَخَمْسِينَ سَرِيَّةً. قَالَ الْمَسْعُودِيُّ: نُمى إِلَى الْمُتَوَكِّلِ بِعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ فِي مَنْزِلِهِ سِلَاحًا مِنْ شِيعَتِهِ مِنْ أَهْلِ قُم وَأَنَّهُ عَازِمٌ على الملك، فبعث إليه جماعة من الْأَتْرَاكِ، فَهَجَمُوا دَارَهُ لَيْلًا فَلَمْ يَجِدُوا فِيهَا شَيْئًا، وَوَجَدُوهُ فِي بَيْتٍ مُغْلَقٍ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقْرَأُ وَعَلَيْهِ مُدرعة مِنْ صُوفٍ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الرَّمْلِ وَالْحَصَى مُتَوَجِّهًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يَتْلُو الْقُرْآنَ، فحُمل عَلَى حَالَتِهِ تِلْكَ إِلَى المتوكل، وأُدخل عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِ الشَّرَابِ، وَالْكَأْسُ فِي يَدِ الْمُتَوَكِّلِ، فعظَّمه وَأَجْلَسَهُ إِلَى جَانِبِهِ، وَنَاوَلَهُ الْكَأْسَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا خَامَرَ لَحْمِي وَدَمِي قَطُّ فَأَعْفِنِي، فَأَعْفَاهُ وَقَالَ لَهُ: أَسْمِعْنِي صَوْتًا، فَقَالَ: {َكمْ تَرَكوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُوُن} .
الْآيَاتِ (?) فَقَالَ: أَنْشِدْنِي شِعْرًا، فَقَالَ: إِنِّي قَلِيلُ الرِّوَايَةِ لِلشِّعْرِ، فَقَالَ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ، فَأَنْشَدَهُ:
بَاتُوا عَلَى قُلَلِ الْأَجْبَالِ تَحْرُسُهُمْ ... غُلْبُ الرِّجَالِ فما أغنتهم القُلَلُ
واستُنزلوا بعد عزٍمن مَعَاقِلِهِمْ ... وَأُسْكِنُوا حُفَرًا يَا بِئْسَ مَا نَزَلُوا
ناداهُمُ صَارِخٌ مِنْ بَعْدِ دَفْنِهِمُ ... أَيْنَ الأسرَّة وَالتِّيجَانُ وَالْحُلَلُ
أَيْنَ الْوُجُوهُ الَّتِي كَانَتْ منعَّمة ... مِنْ دُونِهَا تُضرب الْأَسْتَارُ والكِللُ
فَأَفْصَحَ الْقَبْرُ عنهُمْ حِينَ ساءَلُهُمْ ... تِلْكَ الوجوهُ عَلَيْهَا الدُّودُ يَقْتَتِلُ
قَدْ طَالَ مَا أَكَلُوا دَهْرًا وَمَا شَرِبُوا ... فَأَصْبَحُوا بَعْدَ طُولِ الْأَكْلِ قَدْ أُكلوا
فَبَكَى الْمُتَوَكِّلُ حَتَّى بَلَّتْ دُمُوعُهُ لِحْيَتَهُ)) .
فَيُقَالُ: هَذَا الْكَلَامُ مِنْ جِنْسِ مَا قَبْلَهُ، لَمْ يَذْكُرْ مَنْقَبَةً بِحُجَّةٍ صَحِيحَةٍ، بَلْ ذَكَرَ مَا يَعْلَمُ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ مِنَ الْبَاطِلِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْحِكَايَةِ أَنَّ وَالِيَ بَغْدَادَ كَانَ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمِ الطَّائِيَّ، وَهَذَا مِنْ جَهْلِهِ، فَإِنَّ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ هَذَا خُزَاعِيٌّ مَعْرُوفٌ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، كَانُوا مِنْ خُزَاعَةَ، فَإِنَّهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُصْعَبٍ،، وَابْنُ عمه عبد الله بن طاهر بن