وَهُمْ نَصَارَى، وَذَلِكَ كَانَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، بل كان سنة تسع، فَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى كَمَالِ اتِّصَالِهِمْ
بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ الْكِسَاءِ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ أَفْضَلَ مِنْ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا أَعْلَمَ مِنْهُمْ، لِأَنَّ الْفَضِيلَةَ بِكَمَالِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى لَا بِقُرْبِ النَّسَبِ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُم} (?) وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الصِّدِّيقَ كَانَ أَتْقَى الْأُمَّةِ بالكتاب والسنة، وتواترعن النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: ((لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لاتخذت أبا بكر خليلا)) (?) ، وهذا بسوط فِي مَوْضِعِهِ.
وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَلْفَ رَكْعَةٍ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ بِالْفَضِيلَةِ وَجَهْلِهِ بِالْوَاقِعِ. أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِفَضِيلَةٍ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ لَا يَزِيدُ فِي اللَّيْلِ عَلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً (?) . وثبت عنه في الصحيح أنه قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((أَفْضَلُ الْقِيَامِ قِيَامُ دَاوُدَ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وينام سدسه)) (?) .
وأيضا فقوله: إن علي بن أي طَالِبٍ كَانَ أَفْضَلَ الْخَلْقِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ... - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ، يُنَازِعُهُ فِيهَا جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ.
وَقَوْلُهُ: جَعَلَهُ اللَّهُ نَفْسَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم - حيث قال: {وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ} وَوَاخَاهُ.
فَيُقَالُ: أَمَّا حَدِيثُ الْمُؤَاخَاةِ فَبَاطِلٌ مَوْضُوعٌ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤَاخِ أَحَدًا، وَلَا آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ بَعْضِهِمْ مع بعض، ولا بين الْأَنْصَارِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ، وَلَكِنْ آخَى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، كَمَا آخَى بَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَآخَى بَيْنَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ في الصحيح.