وَأَمَّا الْمُثْبِتُونَ لِلْقَدَرِ فَيَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ على ذلك، فَإِذَا أَلْهَمَهُمْ فِعْلَ مَا أَمَرَ وَتَرْكَ مَا حَظَر حَصَلَتِ الطَّهَارَةُ وَذَهَابُ الرِّجْسِ.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا مِمَّا أُمروا بِهِ لَا مِمَّا أُخبروا بِوُقُوعِهِ، مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدَارَ الْكِسَاءَ عَلَى عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ، ثُمَّ قَالَ:
((اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الجس وطهِّرهم تَطْهِيرًا)) . وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ، وَرَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ (?) .
وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى ضِدِّ قَوْلِ الرَّافِضَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ دَعَا لَهُمْ بِذَلِكَ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ لَمْ تُخْبِرْ بِوُقُوعِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ وقع لكان يثنى على الله بوقوعه ويشطره عَلَى ذَلِكَ، لَا يَقْتَصِرُ عَلَى مُجَرَّدِ الدُّعَاءِ بِهِ.
الثَّانِي: أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى إِذْهَابِ الرِّجْسِ عَنْهُمْ وَتَطْهِيرِهِمْ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَالِقُ أَفْعَالِ الْعِبَادِ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْآيَةَ مُتَضَمِّنَةٌ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ قوله في سياق الكلام: {َيا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْن وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا. وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ ِللهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا. يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا. وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} (?) .
وَهَذَا السِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ وَنَهْيٌ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَإِنَّ السِّيَاقَ إِنَّمَا هُوَ فِي مُخَاطَبَتِهِنَّ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ:
{لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} عَمَّ غَيْرَ أَزْوَاجِهِ، كَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ رضى الله عنهم لانه ذكره بصيغة التَّذْكِيرِ لَمَّا اجْتَمَعَ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، وَهَؤُلَاءِ خُصُّوا بكونهم من أهل البيت بالأولى من