وَكَانَ قَدْ حَجَّ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فَاجْتَهَدَ أَنْ يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ فَلَمْ يُمْكِنْهُ مِنَ الزِّحَامِ، فَجَاءَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ فَوَقَفَ النَّاسُ لَهُ وتَنَحَّوْا عَنِ الْحَجَرِ حَتَّى اسْتَلَمَهُ،
وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَ الْحَجَرِ سِوَاهُ، فَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الملك: من هذا فقال الفرزدق وذكر أبيات الشعر المشهورة فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ زَيْنُ الْعَابِدِينَ بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَرَدَّهَا، وَقَالَ: إِنَّمَا قَلَتُ هَذَا غَضَبًا لِلَّهِ ولرسوله، فما آخذ عليه أجرا، فقال عي بْنُ الْحُسَيْنِ: نَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ لَا يَعُودُ إلينا ما خرج منا فقبلها الفرزدق.
وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ قَوْمٌ يَأْتِيهِمْ رِزْقُهُمْ لَيْلًا وَلَا يَعْرِفُونَ مِمَّنْ هُوَ، فَلَمَّا مَاتَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ، انْقَطَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ وَعَرَفُوا أَنَّهُ كَانَ مِنْهُ.
وَكَانَ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ أَعْظَمَ النَّاسِ زُهْدًا وَعِبَادَةً، بَقَرَ السجودُ جبهتَه، وَكَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ وَقْتِهِ، سمَّاه رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَاقِرَ، وَجَاءَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ إِلَيْهِ وَهُوَ صَغِيرٌ فِي الكُتَّاب، فَقَالَ لَهُ: جَدُّكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَلِّمُ عَلَيْكَ. فَقَالَ: وَعَلَى جَدِّيَ السَّلَامُ. فقيل لجابر كيف هو؟ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْحُسَيْنُ فِي حِجْرِهِ وَهُوَ يُلَاعِبُهُ، فَقَالَ: يَا جَابِرُ يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ اسْمُهُ عليٌّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى منادٍ: لِيَقُمْ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ، فَيَقُومُ وَلَدُهُ، ثُمَّ يُولَدُ لَهُ مَوْلُودٌ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ، يَبْقُرُ الْعِلْمَ بَقْرًا، فَإِذَا رَأَيْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ. وروى عنه أبي حنيفة وغيره.
وَكَانَ ابْنُهُ الصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَعْبَدَهُمْ، قَالَ عُلَمَاءُ السِّيرَةِ: إِنَّهُ اشْتَغَلَ بِالْعِبَادَةِ عَنْ طَلَبِ الرِّيَاسَةِ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي الْمِقْدَامِ: كُنْتُ إِذَا نَظَرْتُ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ عَلِمْتُ أَنَّهُ مِنْ سُلَالَةِ النَّبِيِّينَ، وَهُوَ الَّذِي نَشَرَ فِقْهَ الْإِمَامِيَّةِ، وَالْمَعَارِفَ الحقيقية، وَالْعَقَائِدَ الْيَقِينِيَّةَ، وَكَانَ لَا يُخْبِرُ بِأَمْرٍ إِلَّا وَقَعَ، وَبِهِ سمُّوه الصَّادِقَ الْأَمِينَ.
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ جَمَعَ أَكَابِرَ الْعَلَوِيِّينَ لِلْبَيْعَةِ لِوَلَدَيْهِ، فَقَالَ الصَّادِقُ: هَذَا الْأَمْرُ لَا يَتِمُّ، فَاغْتَاظَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنَّهُ لِصَاحِبِ الْقَبَاءِ الْأَصْفَرِ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الْمَنْصُورِ، فَلَمَّا سَمِعَ الْمَنْصُورُ بِذَلِكَ فَرِحَ لِعِلْمِهِ بِوُقُوعِ مَا يُخبر بِهِ، وَعَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ يَصِلُ إِلَيْهِ، وَلَمَّا هَرَبَ كَانَ يَقُولُ: أَيْنَ قَوْلُ صَادِقِهِمْ؟ وَبَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى الْأَمْرُ إِلَيْهِ.
وَكَانَ ابْنُهُ مُوسَى الْكَاظِمُ يُدْعى بِالْعَبْدِ الصَّالِحِ، وَكَانَ أَعْبَدَ أَهْلِ زَمَانِهِ، يَقُومُ اللَّيْلَ