مَرْدُودَةٌ بِكُلِّ طَرِيقٍ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقال: أَوَّلًا أَنْتُمْ قَوْمٌ لَا تَحْتَجُّونَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِنَّمَا يَرْوِيهِ أَهْلُ السُّنَّةِ بِأَسَانِيدِ أَهْلِ السُّنَّةِ،
وَالْحَدِيثُ نَفْسُهُ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، بَلْ قَدْ طَعَنَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنْ قَدْ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ، كَأَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ، وَرَوَاهُ أَهْلُ الْمَسَانِيدِ، كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ (?) .
فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ عَلَى أُصُولِكُمْ ثُبُوتُهُ حَتَّى تَحْتَجُّوا بِهِ؟ وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَهُوَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تَحْتَجُّوا فِي أَصْلٍ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَإِضْلَالِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ - إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً - بِأَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي لَا يَحْتَجُّونَ هم بها في الفروع العملية؟!.
وَهَلْ هَذَا إِلَّا مِنْ أَعْظَمِ التَّنَاقُضِ وَالْجَهْلِ؟!
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ الْحَدِيثَ رُوِيَ تَفْسِيرُهُ فِيهِ من وجهين: أحدهما: أنه صلى الله تعالى عليه وسلم سأل عَنِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ، فَقَالَ: ((مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي)) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ: ((هُمُ الْجَمَاعَةُ)) . وَكُلٌّ مِنَ التفسيرين يناقض قول الإمامية، ويقتضي أنهم خَارِجُونَ عَنِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ، فَإِنَّهُمْ خَارِجُونَ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ: يُكَفِّرُونَ أَوْ يفسِّقون أَئِمَّةَ الْجَمَاعَةِ، كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، دَعْ مُعَاوِيَةَ وَمُلُوكَ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ، وَكَذَلِكَ يكفِّرون أَوْ يفسِّقون عُلَمَاءَ الْجَمَاعَةِ وَعُبَّادَهُمْ، كَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإسحاق وَأَبِي عُبَيْدٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ وَالْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ وَمَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَهُمْ أَبْعَدُ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ سِيَرِ الصَّحَابَةِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ، لَا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بَعْدَهُ، فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَالْمَنْقُولَاتِ، وَالْمَعْرِفَةِ بِالرِّجَالِ الضُّعَفَاءِ وَالثِّقَاتِ، وَهُمْ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ جَهْلًا بِالْحَدِيثِ وَبُغْضًا لَهُ، وَمُعَادَاةً لِأَهْلِهِ، فَإِذَا كَانَ وَصْفُ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ: أَتْبَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ شِعَارُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ - كَانَتِ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ هُمْ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَالسُّنَّةُ مَا كَانَ صلى الله تعالى عليه وسلم هو وأصحابه عليه في عهده، مما أمرهم به وأقرَّهم عَلَيْهِ أَوْ فَعَلَهُ هُوَ، وَالْجَمَاعَةُ هُمُ الْمُجْتَمِعُونَ