جِهَةِ تَحْسِينِ الظَّنِّ بِأَنْفُسِهِمْ، وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ أهل الاجتهاد والاستنباط، وليسوا كذلك.
4- انْحِرَافُهُمْ عَنِ الْأُصُولِ الْوَاضِحَةِ إِلَى اتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهَاتِ: التي للعقول فيها مواقف، وَقَدْ عَلِمَ الْعُلَمَاءُ أنَّ كلَّ دَلِيلٍ فِيهِ اشتباهٌ وإشكالٌ لَيْسَ بدليلٍ فِي الْحَقِيقَةِ، حَتَّى يتبين معناه ويظهر المراد منه، لأنَّ حَقِيقَةَ الدَّلِيلِ أنْ يَكُونَ ظَاهِرًا فِي نَفْسِهِ، وَدَالًّا عَلَى غَيْرِهِ، وَإِلَّا، احْتِيجَ إِلَى دليل، فَإِنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ فَأَحْرَى أنْ لا يكون دليلاً.
ومدار الغلط في هذا إنَّما هو: الْجَهْلُ بِمَقَاصِدِ الشَّرْعِ، وَعَدَمِ ضَمِّ أَطْرَافِهِ بَعْضِهَا لبعض، فإنَّ مَأْخَذَ الْأَدِلَّةِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الرَّاسِخِينَ إنَّما هُوَ عَلَى أنْ تُؤْخَذَ الشَّرِيعَةُ كَالصُّورَةِ الْوَاحِدَةِ بِحَسْبِ مَا ثَبَتَ مِنْ كليَّاتها وجزئيَّاتها الْمُرَتَّبَةِ عَلَيْهَا، وعامِّها الْمُرَتَّبِ عَلَى خاصِّها؛ ومطلقِها الْمَحْمُولِ عَلَى مقيِّدِها، ومجملِها المفسَّر ببيِّنها، إِلَى مَا سوى ذلك من مناحِيها.
5- تَحْرِيفُ الْأَدِلَّةِ عَنْ مَوَاضِعِهَا: بأنْ يرِد الدَّلِيلُ عَلَى مَنَاطٍ (?) فَيُصْرَف عَنْ ذَلِكَ الْمَنَاطِ إِلَى أمرٍ آخَرَ مُوهماً أنَّ الْمَنَاطَيْنِ وَاحِدٌ، وَهُوَ مِنْ خفيِّات تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ، وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أنَّ مَنْ أقرَّ بالإسلام، ويذم تَحْرِيفَ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، لَا يلجأُ إِلَيْهِ صُراحاً إِلَّا مَعَ اشتباهٍ يَعْرِضُ لَهُ، أَوْ جَهْلٍ يَصُدُّهُ عَنِ الْحَقِّ، مَعَ هَوَىً يَعْمِيهِ عَنْ أَخْذِ الدَّلِيلِ مَأْخَذَهُ، فَيَكُونُ بِذَلِكَ السَّبَبِ مُبْتَدَعًا.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أنَّ الدَّلِيلَ الشَّرْعِيَّ إِذَا اقتضى أمراً في الجملة مما يتعلق