لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَبْلُغَ فِي الشَّرَفِ مَبْلَغَ الْأَعْلَى فِي اتِّبَاعها، فالشرفُ إِذًا إنَّما هُوَ بحسب المبالغةِ في تحكيم الشريعة.
ثُمَّ نَقُولُ بَعْدَ هَذَا: إنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ شرَّف أَهْلَ الْعِلْمِ وَرَفَعَ أَقْدَارَهُمْ، وعظَّم مِقْدَارَهُمْ، ودلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، بَلْ قَدِ اتَّفَقَ العقلاءُ عَلَى فَضِيلَةِ الْعِلْمِ وَأَهْلِهِ، وَأَنَّهُمُ المُستحقون شَرَفَ الْمَنَازِلِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يُنازع فِيهِ عَاقِلٌ.
وَاتَّفَقَ أَهْلُ الشَّرَائِعِ عَلَى أَنَّ عُلُومَ الشَّرِيعَةِ أَفْضَلُ الْعُلُومِ وَأَعْظَمُهَا أَجْرًا عند اللهِ يوم القيامة.
وَأَيْضًا فَإِنَّ عُلُومَ الشَّرِيعَةِ مِنْهَا مَا يَجْرِي مَجْرَى الْوَسَائِلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّعَادَةِ الأُخروية، وَمِنْهَا ما يجري مجرى المقاصد، والذي يجري مجرى المقاصد أعلى مما ليس كذلك، كعلمِ الْعَرَبِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِ الْفِقْهِ، فَإِنَّهُ كَالْوَسِيلَةِ، فعلمُ الْفِقْهِ أَعْلَى.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَأَهْلُ العلمِ أشرفُ النَّاسِ وَأَعْظَمُ مَنْزِلَةً بِلَا إِشْكَالٍ وَلَا نِزَاعٍ وإنَّما وَقَعَ الثناءُ فِي الشَّرِيعَةِ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ حَيْثُ اتِّصَافِهِمْ بِالْعِلْمِ لَا مِنْ جهةٍ أُخرى، ودلَّ عَلَى ذَلِكَ وقوعُ الثناءِ عَلَيْهِمْ مُقَيَّداً بِالِاتِّصَافِ بِهِ، فَهُوَ إِذًا الْعِلَّةُ فِي الثناءِ؛ وَلَوْلَا ذَلِكَ الِاتِّصَافُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مزيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِمْ.
وَلِذَلِكَ إِذَا وَقَعَ النِزاع فِي مسألةٍ شرعيةٍ وَجَبَ ردُّها إِلَى الشَّرِيعَةِ حَيْثُ يَثْبُت الْحَقُّ فِيهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فإنْ تَنَازَعْتُمْ فِى شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللهِِ وَالرَّسُولِ} (?) الآية.