الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ
إنَّ هَذِهِ الفِرق إنْ كَانَتِ افترقت بسببٍ مُوقِعٍ في العداوةِ وَالْبَغْضَاءِ؛ فإمَّا أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إِلَى أمرٍ هو معصيةٍ غيِر بدعةٍ، وإمَّا أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أمرٍ هُوَ بِدْعَةٌ.
وكلُّ مَنْ لَمْ يهتدِ بِهَدْيِهِ وَلَا يستنُّ بسنَّتِه فإمَّا إِلَى بِدْعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ، فَلَا اخْتِصَاصَ بِأَحَدِهِمَا، غَيْرَ أنَّ الْأَكْثَرَ فِي نَقْلِ أَرْبَابِ الْكَلَامِ، وَغَيْرِهِمْ أنَّ الْفِرْقَةَ الْمَذْكُورَةَ إنَّما هِيَ بِسَبَبِ الِابْتِدَاعِ فِي الشَّرْعِ عَلَى الْخُصُوصِ، وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَ الحديثَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يَعُدُّوا مِنْهَا الْمُفْتَرِقِينِ بِسَبَبِ المعاصي التي ليست ببدع، وَعَلَى ذَلِكَ يَقَعُ التَّفْرِيعُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
المسألة الثالثة
إنَّ هذه الفرق تحتمل مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنْ يَكُونُوا خَارِجِينَ عَنِ المِلَّة بِسَبَبِ مَا أَحْدَثُوا، فَهُمْ قَدْ فَارَقُوا أهل الإسلام بإطلاق، وليس ذلك إلا الكفر، إِذْ لَيْسَ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ مَنْزِلَةٌ ثَالِثَةٌ تُتَصَوَّر.
ويُحتمل أَنْ لَا يَكُونُوا خَارِجِينَ عَنِ الْإِسْلَامِ جُمْلَةً، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَرَجُوا عَنْ جملةٍ من شرائعه وأُصوله.
ويُحتمل وَجْهًا ثَالِثًا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ من فارق الإسلام، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُفَارِقْهُ، بَلِ انْسَحَبَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَإِنْ عَظُم مقالُه وَشُنِّعَ مذهبُه، لَكِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ بِهِ مَبْلَغَ الْخُرُوجِ إِلَى الكفر المحض والتبديل الصريح.
وأمَّا رِوَايَةِ مَنْ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: ((كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً)) فإنَّما يَقْتَضِي