واعلم أن المؤلف رحمه الله تعالى، قد جرى في تأليفه لكتابه هذا "المختصر" وترتيب أحاديثه وأبوابه على غير تأليفها وترتيبها في أصله "صحيح مسلم"، وقد أشار إلى ذلك بقوله في المقدمة: "اختصرته من "صحيح الإِمام مسلم" ... اختصاراً يسهله على حافظيه، ويقرِّبه للناظر فيه، ورتبته ترتيباً يسرع بالطالب إلى وجود مطلبه في مظنته، وقد تضمن مع صغر حجمه جل مقصود الأصل ... ".
وقد أفادنا بهذه الكلمة أموراً يهمنا في هذه المقدمة اثنان.
الأول: أنه رتبه ترتيباً غير ترتيب الأصل. ويظهر ذلك في الكتب والأبواب والأحاديث.
1 - أما الكتب، فالكتاب الثاني في الأصل إنما هو "كتاب الطهارة " ثم "كتاب الحيض"، ثم "كتاب الصلاة". أما المنذري فقد جعل من الكتاب الثاني كتابين: "كتاب الوضوء" (1/ 38) مما هنا و"كتاب الغسل" (49/ 1) هنا. وعقد بعد كتاب الطلاق عدة كتب لم ترد في الأصل كعناوين. فقال: "كتاب العدة" (1/ 334)، و"كتاب النفقات" (1/ 333)، و"كتاب الوقف" (3/ 24)، و"كتاب تحريم الدماء وذكر القصاص والدية" (3/ 30)، و"كتاب الضيافة" (43/ 3)، و"كتاب الهجرة والمغازي" (2/ 69)، وغيرها من الكتب التي يمكنك أن تتتبَّعها من الفهرس في آخر الكتاب.
2 - وأما الأبواب، فلا غرابة أن تختلف عن أبواب "الصحيح" لأنها في الواقع ليست منه، بل ليس فيه أبواب أصلاً. وإنما هي من وضع النووي رحمه الله تعالى كما هو مشهور، وكما يدل عليه صنيعه في شرحه عليه، فإنك لا تجد في نسخة متنه أي باب، وإنما هي في شرحه فقط.
3 - وأما أحاديثه، فهي تختلف عن ترتيبها في الأصل اختلافاً بيناً، كما يتضح لك ذلك بتتبع الأجزاء والصفحات التي أشرنا إليها في آخر كل حديث، والحديث (75) مثلاً من "كتاب الإيمان" هو عند مسلم في آخر كتابه (8/ 338). والحديثان (303 و 304) من "كتاب الصلاة" هما عنده في أول الكتاب: "كتاب الإيمان"، والحديث (1036) من "كتاب تحريم الدماء" هو عنده في "الإيمان" أيضاً (1/ 72). وآخر كتاب عنده "كتاب التفسير"، وهو كذلك في "المختصر" وقد أورد فيه أحاديث هي في الأصل في الجز، الأول والثاني والخامس، فانظر مثلاً الأحاديث (2126 و 2137 - 2139 و 2146 و 2147 و 2155 و 2165 و 2166 و 2172 و 2176 و 2177).
الثاني: أنه لم يضمنه جميع أحاديث الأصل، وإنما جلَّها.
ولهذا وغيره بما سبق بيانه يمكن القول بأن هذا "المختصر"، هو كتاب خاص بطريقته وأسلوبه، لا يشاركه في ذلك غيره من المختصرات التي يلتزم مختصروها عادة ترتيب أصولها، ونهج مؤلفيها.
وفي الختام فإني أرجو أن أكون قد وفقت لخدمة السنة النبوية بتحقيق هذا الكتاب، وإخراجه للناس. ويسرت لهم سبيل الانتفاع بما فيه من الهدى والنور، وصدق الله العظيم القائل: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ