وكان الاقتصار في التعليق على ما رآه المحقق كافياً، غير أن ذوي الأغراض استغلوا ذاك التعليق أسوأ استغلال. وحجة المحقق فيه هي الرد على المتعصبة الذين ضاهوا بكلامهم وتعصبهم لإمامهم ومذهبهم قول الضالين الذين زعموا بأن سيدنا رسول الله عيسى بن مريم عليه السلام يجيءُ ومؤيداً لما هم عليه من كفر باللهِ وبعيسى وأمه البتول.
والواقع أن قول المحقق كان رداً على ما جاء من رسائل وفتاوى وأقوال تزعم بأن سيدنا (عيسى عليه السلام، سوف يحكم بالمذهب الحنفي عندما ينزل في آخر الزمن، مستدلين على ذلك بقصة حُلُم سخيف رواها مجهول يقول ببقاء أقوال مذهبه محفوظة في صندوق في نهر جيحون وفيه ما علمَّه أبو حنيفة للخضر. وقبل أن ينزل عيسى يرفع القرآن والعلم، فيذهب عيسى إلى النهر حائراً ويطلب العلم من النهر فتخرج له يدٌ فيها صندوق العلم الذي أودعه الخضر النهرَ بما تعلمه من الإِمام أبي حنيفة عليه رحمة الله).
هذا الذي رد عليه المحقق بسطر واحد موجز يعرف مدلوله أهل العلم، ظناً منه بأن هذا الرد يكون عوناً لهم على الاستدلال بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم فأمكم منكم" يعني: فأمكم بكتاب ربكم وسنة نبيكم.
فقال المعلق:
هذا صريح في أن عيسى عليه السلام يحكم بشرعنا، ويقضي بالكتاب والسنة لا بغيرهما من الإنجيل أو الفقه الحنفي ونحوه!
وممن روى قصة النهر والخضر وأبي حنيفة الإِمام الحصكفي (?) وهو من كبار رجال مذهب الإِمام أبى حنيفة عليه رحمة الله في مقدمة كتابه المشهور "الدر المختار" الذي جعلت عليه حاشية ابن عابدين أعظم كتب الاحناف في العصور المتأخرة؛ بل هي من أهم المراجع للفقه الإِسلامي كله.
وقد تجنب المحقق ذكر القصة بالتفصيل لأن تتبع سقطات العلماء مما نهينا عنه. واكتفى برد الفرية عند من كان يعرفها. وبذلك حال بين إشاعة ما يدل على الاعتماد بالعقائد والأحكام على الأحلام والأقوال غير الصحيحة، بما يفعله البعض.
فلو أدرك ذلك الذين استغلوا التعليق وعملوا بموجبه لكان خيراً لهم!!
والله نسأل أن ينفع المسلمين بهذا الكتاب كما نفع بباقي كتب الإسلام التي شرفنا الله بطبعها.
وآخر دعوانا أن الحمدللَه رب العالمين.
زهير