وفرغت من ذلك في نحو ثلاثة أشهر، كنت أعمل فيه ليل نهار، ودون كلل ولا ملل، وبذلك انقلب ما أراده أعداء الأمة انتقاماً منا إلى نعمة لنا، يتفيأ ظلالها طلاب العلم من المسلمين في كل مكان، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
كما يسر الله تعالى لي التفرغ لعدد كبير من الأعمال العلمية ما كان يتاح لي أن أعطيها الوقت اللازم لو بقيت حياتي تسير على النهج المعتاد، فقد قامت بعض الحكومات المتعاقبة بمنعي من الخروج إلى المدن السورية في الزيارات الشهرية التي كنت أقوم بها في الدعوة إلى الكتاب والسنة. وهو نوع مما يسمى في العرف الشائع بـ "الإِقامة الجبرية"، كما أنني قد مُنعت خلال فترات متلاحقة من إلقاء دروسي العلمية الكثيرة التي كان التحضير لها يأخذ جزءاً كبيراً من وقتي، وهذا كله قد صرف عني الكثير من الأعمال، وحال بيني وبين لقاء عدد كبير من الناس الذين كانوا يأخذون من وقتي الشيء الكبير.
هذا، ولما اطَّلع على المختصر بعض الإخوة رغب في نشره، ولكنه اقترح علي أن أبدأ قبله باختصار "صحيح الإمام البخاري"، ليبدأ بطبعه أولاً، ثم يعقبه بطبع مختصر "صحيح مسلم" ثانياً.
ومضت الأيام، ثم أخذتُ في تحقيق هذه الرغبة، فاختصرت "صحيح البخاري" على نوبات متقطعات، في شهور عديدة، حتى كتب الله تعالى لي الفراغ منه بفضله ومنِّه وكرمه.