لولا الملامة أو حِذار مسبة ... لوجدتني سمحًا بذاك مبينا
حصار بني هاشم في الشعب ولما اجتمعوا - مؤمنهم وكافرهم - على منع رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجتمعت قريش. فأجمعوا أمرهم على ألّا يجالسوهم، ولا يبايعوهم ولا يدخلوا بيوتهم. حتى يُسلِموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل. وكتبوا بذلك صحيفة فيها عهود ومواثيق " ألّا يقبلوا من بني هاشم صلحًا أبدًا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل " فأمرهم أبو طالب أن يدخلوا شعبه فلبثوا فيه ثلاث سنين. واشتد عليهم البلاء وقطعوا عنهم الأسواق. فلا يتركون طعامًا يدخل مكة، ولا بيعًا إلا بادروا فاشتروه. ومنعوه أن يصل شيء منه إلى بني هاشم. حتى كان يسمع أصوات نسائهم يتضاغون من وراء الشِّعْب من الجوع. واشتدوا على من أسلم ممن لم يدخل الشعب، فأوثقهم. وعظمت الفتنة وزلزلوا زلزالا شديدًا، وكان أبو طالب إذا أخذ الناس مضاجعهم. أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضطجع على فراشه حتى يرى ذلك من أراد اغتياله.
فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوانه أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأمره أن يأتي أحد فُرُشهم.
وفي ذلك عمل أبو طالب قصيدته اللامية المشهورة التي قال فيها:
ولما رأيت القوم لا وُدَّ فيهمو ... وقد قطعوا كل العرى والوسائل
وقد صارحونا بالعداوة والأذى ... وقد طاوعوا أمر العدو المزايل
صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة ... وأبيض عضب من تراث المقاول