قال بعضهم: ما أحسن ما قال أبو داود، وما أشبهه بما تأوله، واستدل بقول عمر: "فجئت أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد" فهذا يبين أنهما اختصما إليه في رأي حدث لهما في أسباب الولاية والحفظ، فرام كل واحد منهما التفرد به، ولا يجوز عليهما أن يكونا لهما في أسباب الولاية والحفظ، فرام كل واحد منهما التفرد به، ولا يجوز عليهما أن يكونا طلبناه بأن يجعله ميراثًا، وَيرُدُّه ملكا -بعد أن كانا سلماه في أيام أبي بكر، وتخليا عن الدعوى فيه- وكيف يجوز ذلك؟ وعمر يناشدهما اللَّه: هل تعلمان أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا نورث ما تركنا صدقة" فيعترفان به، والقوم الحضور يشهدون على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بمثل ذلك؟ وكل هذه الأمور تولد ما قاله أبو داود.
ويشبه أن يكون عمر -رضي اللَّه عنه- إنما منعهما القسمة احتياطًا للصدقة ومحافظة عليها، فإن القسمة إنما تجوز في الأموال المملوكة، ولو سمح لهما عمر بالقسمة لكان لا يؤمن أن يكون ذلك ذريعة لمن يريد أن يتملكها بعد علي والعباس ممن ليس له بصيرتهما في العلم، ولا يقينهما في الدين، فرأى أن يتركها على الجملة التي هي عليها، ومنع أن تجول عليها السهام، فيوهم أن ذلك إنما كان لرأي حدث منه فيها، أوجب إعادتها إلى الملك بعد اقتطاعها عنه إلى الصدقة. واللَّه أعلم.
وقد يحتمل ذلك وجهًا آخر، وهو: أن الأمر المفوَّض إلى الاثنين، الموكولَ إلى أمانتهما وكفايتهما أقوى في الرأي، وأدنى إلى الاحتياط من الاقتصار على أحدهما والاكتفاء به.
قال: فروي: أن عليًّا غلب عليها العباسَ بعد ذلك، فكان يليها أيام حياته.
ويدل على صحة هذا التأويل الذي ذهب إليه أبو داود: أن منازعة في عباسًا لم تكن من قِبل أنه كان يراها ملكًا وميراثًا: أن الأخبار لم تختلف عن علي: أنه لما أفضت إليه الخلافة، وخلُص له الأمر أجراها على الصدقة، ولم يغير شيئًا من سبيلها.