وَالتَّغَنِّي عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا. مَا اقْتَضَتْهُ الطَّبِيعَةُ من غير تكلف، فهذا جائز وإن أعان طبيعته بفضل تزيين، «كما قال أبو موسى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ عَلِمْتُ أنك تستمع لحبرته لك تحبيرا» أي: لحسنته لك تحسينا، وهذا هو الذي كان السلف يفعلونه، وعليه تحمل الأدلة كلها.
والثاني: ما كان صناعة من الصنائع، كما يتعلم أصوات الغناء بأصناف الألحان على أوزان مخترعة، فهذه هي التي كرهها السلف، وأدلة الكراهة إنما تتناول هذا.
فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في زيارة المرضى كان يَعُودُ مَنْ مَرِضَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَعَادَ غُلَامًا كَانَ يَخْدِمُهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَعَادَ عَمَّهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ الْيَهُودِيُّ.
وَكَانَ يَدْنُو مِنَ الْمَرِيضِ، وَيَجْلِسُ عِنْدَ رَأْسِهِ ويسأله عن حاله، وَكَانَ يَمْسَحُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْمَرِيضِ، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، أَذْهِبِ الْبَاسَ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لا يغادر سقما» (?) وكان يدعو للمريض ثلاثا، كما قال: «اللهم اشف سعدا ثلاثا» وكان إذا دخل على المريض يقول: «لَا بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» (?) وَرُبَّمَا قال: «كفارة وطهور»
وكان يرقي من كان بِهِ قُرْحَةٌ أَوْ جُرْحٌ أَوْ شَكْوَى فَيَضَعُ سَبَّابَتَهُ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا وَيَقُولُ: «بِسْمِ اللَّهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا يُشْفَى سَقِيمُنَا بِإِذْنِ ربنا» وهذا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَهُوَ يُبْطِلُ اللَّفْظَةَ الَّتِي جَاءَتْ في حديث السبعين ألفا " لا يرقون " وهو غلط من الراوي.
ولم يكن من هديه أن يخص يوما بالعيادة، ولا وقتا، بل شرع لأمته عيادة المريض ليلا ونهارا. وَكَانَ يَعُودُ مِنَ الرَّمَدِ وَغَيْرِهِ، وَكَانَ أَحْيَانًا يَضَعُ يَدَهُ عَلَى جَبْهَةِ الْمَرِيضِ، ثُمَّ يَمْسَحُ صَدْرَهُ وَبَطْنَهُ، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اشْفِهِ» وَكَانَ يَمْسَحُ وجهه أيضا، وإذا أيس مِنَ الْمَرِيضِ قَالَ: «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون»
وكان هديه في الجنائز أكمل هدي مُخَالِفًا لِهَدْيِ سَائِرِ الْأُمَمِ مُشْتَمِلًا عَلَى الْإِحْسَانِ إلى الميت وإلى أهله وأقاربه،