سُنَّتُهُ وَهَدْيُهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْأَمْرِ فَيَضَعُهُ حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ، وَيَقْسِمُهُ عَلَى مَنْ أمر بقسمته عليهم، لا تصرف المالك بإرادته ومشيئته، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَلِكا رَسُولًا، فاختار العبودية، والفرق أَنَّ الْعَبْدَ الرَّسُولَ لَا يَتَصَرَّفُ إِلَّا بِأَمْرِ سَيِّدِهِ وَمُرْسِلِهِ، والمَلِك الرَّسُولُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ يُشَاءُ، وَيَمْنَعَ مَنْ يَشَاءُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى لِلْمَلِكِ الرَّسُولِ سُلَيْمَانَ: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [ص: 39] (?) أَيْ: أَعْطِ مَنْ شِئْتَ، وَامْنَعْ مَنْ شئت لا نحاسبك، وهذه المرتبة التي عُرضت على نبينا، فَرَغِبَ عَنْهَا إِلَى مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهَا وهي مرتبة العبودية المحصنة، وقال: «والله إني لا أعطي أحدا، ولا أمنع أحدا إنما أنا قاسم أضع حيث أُمرت» ولهذا كان ينفق منه عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ، وَيَجْعَلُ الْبَاقِيَ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْأَمْوَالِ هُوَ السَّهْمُ الَّذِي وَقَعَ بَعْدَهُ فِيهِ مِنَ النِّزَاعِ ما وقع إلى اليوم.

وأما الزكاة والغنائم وقسمة المواريث، فإنها معنية لِأَهْلِهَا لَا يَشْرُكُهُمْ غَيْرُهُمْ فِيهَا، فَلَمْ يُشْكِلْ عَلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ بَعْدَهُ مِنْ أَمْرِهَا مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَيْءِ، وَلَمْ يَقَعْ فِيهَا مِنَ النِّزَاعِ مَا وَقَعَ فِيهِ، وَلَوْلَا إِشْكَالُ أمره لَمَا طَلَبَتْ فاطمة بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم ميراثها من تركته، وقد قال تَعَالَى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: 7] إلى قوله: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الْحَشْرِ: 9] (?) فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَا أَفَاءَ عَلَى رسوله بجملته لمن ذكر في هؤلاء الْآيَاتِ، وَلَمْ يَخُصَّ مِنْهُ خُمُسَهُ بِالْمَذْكُورِينَ، بَلْ عم وَأَطْلَقَ وَاسْتَوْعَبَ، وَيُصْرَفُ عَلَى الْمَصَارِفِ الْخَاصَّةِ، وَهُمْ أَهْلُ الْخُمُسِ، ثُمَّ عَلَى الْمَصَارِفِ الْعَامَّةِ، وَهُمُ المهاجرون والأنصار وأتباعهم إلى يوم القيامة.

فالذي عمل به هو وخلفاؤه هو المراد من الآيات، ولهذا قال عمر بن الخطاب فيما رواه أحمد وغيره عنه: «ما أحد بأحق بهذا المال من أحد، وما أنا بأحق به من أحد، والله ما من أحد من المسلمين إلا وله فيه نَصِيبٌ إِلَّا عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، وَلَكِنَّا عَلَى مَنَازِلِنَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015