الجزية، وأتاه أهل جربا وأذرح، فصالحهم على الجزية، وَكَتَبَ لِصَاحِبِ أَيْلَةَ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: هذا أمنة من الله ومن مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليحنة بن رؤبة، وأهل أيلة لسفنهم وَسَيَّارَتِهِمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ لَهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ، وذمة النَّبِيِّ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ الْيَمَنِ وَأَهْلِ الْبَحْرِ، فَمَنْ أَحْدَثَ مِنْهُمْ حَدَثًا فَإِنَّهُ لَا يَحُولُ مَالُهُ دُونَ نَفْسِهِ، وَإِنَّهُ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنَ النَّاسِ، وَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَمْنَعُوا مَاءً يَرِدُونَهُ، وَلَا طَرِيقًا يريدونه من بر أو بحر» .
ثم بعث خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى أكيدر بن عبد الملك الكندي صاحب دومة الجندل وقال: «إنك ستجده يصيد البقر» ، فمضى خالد حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ حِصْنِهِ بِمَنْظَرِ العين في ليلة مقمرة أقام، وجاءت بقر الوحش حتى حكت بقرونها باب القصر، فخرج إليهم أكيدر في جماعة من خاصته، فتلقتهم خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخذوا أكيدر، وقتلوا أخاه حسان، فحقن رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه وصالحه على الجزية، وكان نصرانيا، وقال ابن سعد: أجاره خالد من القتل، وكان مع خالد أربعمائة وعشرون فارسا عَلَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ دَوْمَةَ الْجَنْدَلِ، فَفَعَلَ وَصَالَحَهُ عَلَى أَلْفَيْ بَعِيرٍ وَثَمَانِمِائَةِ رَأْسٍ وَأَرْبَعِمِائَةِ رمح ودرع، فعزل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صفية خالصا، ثم قسم الغنيمة فأخرج الخمس، ثم قسم ما بقي على أصحابه فكان لكل واحد منهم خمس فرائض، وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتبوك بضع عشرة ليلة، ثم قفل.
«وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قمت من جوف الليل وأنا في غزوة تبوك، فرأيت شعلة نار في ناحية العسكر، فأتيتها فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر، وَإِذَا عبد الله ذو البجادين قَدْ مَاتَ، وَإِذَا هُمْ قَدْ حَفَرُوا لَهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حفرته، وأبو بكر وعمر يدليان إليه وهو يقول: أدليا إِلَيَّ أَخَاكُمَا فَدَلَّيَاهُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا هَيَّأَهُ لِشِقِّهِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ أَمْسَيْتُ رَاضِيًا عَنْهُ، فارض عنه، قال ابن مسعود: يا ليتني كنت صاحب الحفرة» .
وعن أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه قال: «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل وهو بتبوك، فقال: يا محمد أشهد جنازة معاوية بن معاوية المزني، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزل جبريل في سبعين ألفا من الملائكة، فوضع جناحه الأيمن على الجبال فتواضعت، ووضع جناحه الأيسر على الأرضين فتواضعت، حتى نظر إلى مكة والمدينة