مُنْكَرًا وَالْمُنْكَرُ مَعْرُوفًا، وَالسُّنَّةُ بِدْعَةً وَالْبِدْعَةُ سُنَّةً، وَنَشَأَ فِي ذَلِكَ الصَّغِيرُ، وَهَرِمَ عَلَيْهِ الْكَبِيرُ، وَطُمِسَتِ الْأَعْلَامُ، وَاشْتَدَّتْ غَرْبَةُ الْإِسْلَامِ، وَقَلَّ الْعُلَمَاءُ، وَغَلَبَ السَّفَهَاءُ، وَتَفَاقَمَ الْأَمْرُ، وَاشْتَدَّ الْبَأْسُ، وَظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ، وَلَكِنْ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعِصَابَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بِالْحَقِّ قَائِمِينَ، وَلِأَهْلِ الشِّرْكِ وَالْبِدَعِ مُجَاهِدِينَ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
ومنها جواز صرف الإمام أموال المشاهد في الجهاد والمصالح، وأن يعطيها للمقاتلة، ويستعين بأثمانها على مصالح المسلمين، وكذا الحكم في وقفها، وَهَذَا مِمَّا لَا يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ أئمة الإسلام.
فَصْلٌ وَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، وَدَخَلَتْ سَنَةُ تِسْعٍ، بَعَثَ المصدقين يأخذون الصدقات من الأعراب، فبعث عيينة إلى بني تميم وَبَعَثَ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ إِلَى طَيِّئٍ وَبَنِي أَسَدٍ، وَبَعَثَ مالك بن نويرة عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي حَنْظَلَةَ، وَفَرَّقَ صَدَقَاتِ بَنِي سَعْدٍ عَلَى رَجُلَيْنِ، فَبَعَثَ الزبرقان بن بدر عَلَى نَاحِيَةٍ، وقيس بن عاصم عَلَى نَاحِيَةٍ، وَبَعَثَ الْعَلَاءَ بن الحضرمي على البحرين، وبعث عليا إلى نجران.
وفيها كانت غزوة تبوك، وكانت في رجب فِي زَمَنِ عُسْرَةٍ مِنَ النَّاسِ، وَجِدْبٍ مِنَ البلاد حين طابت الثمار، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّمَا يَخْرُجُ فِي غَزْوَةٍ إِلَّا كَنَّى عَنْهَا إِلَّا مَا كَانَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ لِبُعْدِ السفر وشدة الزمان، «فقال ذات يوم للجد بن قيس: هل لك فِي جِلَادِ بَنِي الْأَصْفَرِ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أوتأذن لي ولا تفتني؟ فما من رجل أشد عَجَبًا بِالنِّسَاءِ مِنِّي، وَإِنِّي أَخْشَى إِنْ رَأَيْتُ نساءهم أَنْ لَا أَصْبِرَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: قَدْ أَذِنْتُ لَكَ» ، فَفِيهِ نَزَلَتِ الْآيَةُ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي} [التَّوْبَةِ: 49] (?) وَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: {وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ} [التوبة: 81] (?) فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالجهاد، وحض أهل الغنى على النفقة، فأنفق عثمان ثلاثماثة بعير بعدتها