كما أرسلوا عروة، فكلموا عبد ياليل، فأبى وخشي أن يصنع به كما صنعوا بعروة فَقَالَ: لَسْتُ بِفَاعِلٍ حَتَّى تُرْسِلُوا مَعِيَ رجالا، فبعثوا مَعَهُ رَجُلَيْنِ مِنَ الْأَحْلَافِ، وَثَلَاثَةً مِنْ بَنِي مالك منهم عثمان بن عفان بن أبي العاص، فلما دنوا من المدينة ونزلوا قَنَاةً لَقُوا بِهَا الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، فَاشْتَدَّ لِيُبَشِّرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلقيه أبو بكر فقال: أقسم عليك لا تسبقني فَفَعَلَ، فَدَخَلَ أبو بكر عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فأخبره ثم خرج المغيرة إليهم، فروح الظهر معهم، فضرب عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبة في ناحية المسجد، وكان خالد بن سعيد الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكان فِيمَا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إن يدع لهم اللات لا يهدمها ثلاث سنين ليسلموا بتركها من سفهائهم فأبى، فما برحوا يسألونه فأبى حتى سألوه شهرا فأبى أن يدعها شيئا مسمى، وكان فيما سألوا أَنْ يُعْفِيَهُمْ مِنَ الصَّلَاةِ، وَأَنْ لَا يَكْسِرُوا أوثانهم بأيديهم، فقال: «أما كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم عنه، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلَا خَيْرَ فِي دِينٍ لَا صلاة فيه» ، فلما أسلموا أَمَّرَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ، وَكَانَ من أحدثهم سنا إلا أنه كان أحرصهم على التفقه في الدين.
فلما توجهوا إلى بلادهم بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معهم أبا سفيان والمغيرة لهدم الطاغية، فلما دخل المغيرة علاها بالمعول، وقام دونه بنو مغيث خشية أن يرمى أو يصاب كعروة، وخرجت نساء ثقيف حسرًا يبكين عليها، ولما هدمها أخذ مالها وكان ابن عروة وقارب بن الأسود قَدِمَا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قبل الوفد حين قتل عروة يريدان فراق ثقيف فأسلما، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «توليا من شئتما قالا: لا نتولى إلا الله ورسوله. قال: وَخَالَكُمَا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، فَقَالَا: وَخَالَنَا أبا سفيان، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطَّائِفِ سَأَلَ ابن عروة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يقضي دين أبيه من مال الطاغية، فقال: نعم، فقال قارب: وَعَنِ الأسود يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاقْضِهِ، وعروة والأسود أَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: إِنَّ الْأَسْوَدَ مَاتَ مُشْرِكًا فَقَالَ قارب بن الأسود: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَكِنْ تَصِلُ مُسْلِمًا ذَا قَرَابَةٍ - يَعْنِي نَفْسَهُ - وَإِنَّمَا الدَّيْنُ عليَّ، فقضى دين عروة والأسود من مالها» .
وفيه مِنَ الْفِقْهِ جَوَازُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، فإنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة في آخر