أو وجوب؟ الثاني: أظهر، ومنها أن المعذور كالأعرج يجوز له الخروج، وأن المسلمين إذا قتلوا مسلما يظنونه كافرا في الجهاد، فديتُه في بيت المال، لأنه أراد أن يدي أبا حذيفة بن اليمان، فَامْتَنَعَ حذيفة مِنْ أَخْذِ الدِّيَةِ، وَتَصَدَّقَ بِهَا على المسلمين.
فأما الحِكَم التي في هذه الوقعة، فقد أشار سبحانه إلى أُمهاتها في سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ) مِنْ قَوْلِهِ: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ} [آل عمران: 121] إلى تمام الستين آية.
فمنها تعريفهم بسوء عاقبة المعصية والفشل والتنازع، ليتقوا ويحذروا من أسباب الخذلان، وأن حكمة الله جرت بأن الرسل وأتباعهم يُدالون مَرَّةً، ويُدال عَلَيْهِمْ أُخْرَى، لَكِنْ تَكُونُ لَهُمُ العاقبة، فلو انتصروا عليه دائما لم يحصل المقصود، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آلِ عِمْرَانَ: 179] (?) أَيْ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَكُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْتِبَاسِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُنَافِقِينَ حَتَّى يَمِيزَ أَهْلَ الْإِيمَانِ مِنْ أَهْلِ النفاق، كما ميزهم بالمحن يَوْمَ أُحُدٍ، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عمران: 179] الذي يميز بين هؤلاء وهؤلاء، فإنهم متميزون في علمه، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُرِيدُ أَنْ يَمِيزَهُمْ تَمْيِيزًا مَشْهُودًا. وَقَوْلُهُ: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: 179] اسْتِدْرَاكٌ لِمَا نَفَاهُ مِنَ اطلاعهم على الغيب، أي: سِوَى الرُّسُلِ، فَإِنَّهُ يُطْلِعُهُمْ عَلَى مَا يَشَاءُ كما في سورة الجن، فسعادتكم بالإيمان بِالْغَيْبِ الَّذِي يُطْلِعُ عَلَيْهِ رُسُلَهُ، فَإِنْ آمَنْتُمْ به واتقيتم كان لكم أعظم الأجر.
ومنها استخراج عبودية أوليائه في السراء والضراء، وفيما يحبون وفيما يكرهون فإذا ثبتوا على الطاعة فيما أحبوا وكرهوا، فهم عبيده حقا وليسوا كمن يعبده على حرف.
ومنها أنه لو بسط لهم النصر دائما لكانوا كما يكونون لو بسط لهم في الرزق، فهو المدبر لهم، كَمَا يَلِيقُ بِحِكْمَتِهِ، إنَّهُ بِهِمْ خَبِيرٌ بَصِيرٌ.
ومنها أنهم إذا انكسروا له استوجبوا النصر، فإن خلعة النصر مع ولاية الذل، كما قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: 123] (?) .
{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} [التوبة: 25] (?) الآية، ومنها أنه هيأ لعباده منازل لا تبلغها أعمالهم، ولا يبلغونها إلا بالبلاء، فقيضه لهم بالأسباب التي توصلهم إليها من ابتلائهم