{وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأحزاب: 6] (?) الآية رد التوارث إلى الرحم وقيل: إنه آخى بين المهاجرين ثانية، واتخذ عليا أخا، والثابت الأول. ولو كان ذلك، لكان أحق الناس بأخوته الصديق الذي قال فيه: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخي وصاحبي» ، وهذه الأخوة وَإِنْ كَانَتْ عَامَّةً كَمَا قَالَ: «وَدِدْتُ أَنْ قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا، قَالُوا: أَلَسْنَا إِخْوَانَكَ؟ قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانِي قَوْمٌ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي، يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي» ، فَلِلصِّدِّيقِ مِنْ هَذِهِ الْأُخُوَّةِ أَعْلَى مَرَاتِبِهَا كَمَا لَهُ مِنَ الصُّحْبَةِ أعلى مراتبها، ووادع مَنْ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْيَهُودِ وَكَتَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كتابا، وبادر حبرهم عبد الله بن سلام ودخل فِي الْإِسْلَامِ، وَأَبَى عَامَّتُهُمْ إِلَّا الْكُفْرَ، وَكَانُوا ثَلَاثَ قَبَائِلَ: بَنُو قَيْنُقَاعَ وَبَنُو النَّضِيرِ وَبَنُو قُرَيْظَةَ، وَحَارَبَهُ الثَّلَاثَةُ، فَمَنَّ عَلَى بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَأَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ، وَقَتَلَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَسَبَى ذُرِّيَّتَهُمْ، وَنَزَلَتْ سُورَةُ الْحَشْرِ فِي بَنِي النَّضِيرِ، والأحزاب في بني قريظة.
وكان يصلي إلى بيت المقدس، وَقَالَ لِجِبْرِيلَ: وَدِدْتُ أَنْ يَصْرِفَ اللَّهُ وَجْهِي عَنْ قِبْلَةِ الْيَهُودِ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ فَادْعُ رَبْكَ وَاسْأَلْهُ، فَجَعَلَ يُقَلِّبُ وَجْهَهُ فِي السماء يرجو ذلك، فأنزل اللَّهُ عَلَيْهِ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144] (?) الآية، وَذَلِكَ بَعْدَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِهِ المدينة قبل بدر بشهرين، وكان في ذلك حِكَمٌ عَظِيمَةٌ، وَمِحْنَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ، فأما المسلمون، فقالوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عِمْرَانَ: 7] وَهُمُ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ، وَلَمْ تَكُنْ كَبِيرَةً عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ، فَقَالُوا: كَمَا رَجَعَ إِلَى قِبْلَتِنَا يُوشِكُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى دِينِنَا وَمَا رَجَعَ إِلَيْهَا إِلَّا أَنَّهُ الْحَقُّ، وَأَمَّا اليهود، فقالوا: خالف قبلة الأنبياء قبله، وأما المنافقون، فقالوا: ما يدري أَيْنَ يَتَوَجَّهُ إِنْ كَانَتِ الْأُولَى حَقًّا فَقَدْ تَرَكَهَا، وَإِنْ كَانَتِ الثَّانِيَةُ هِيَ الْحَقَّ، فَقَدْ كَانَ عَلَى بَاطِلٍ. وَكَثُرَتْ أَقَاوِيلُ السُّفَهَاءِ مِنَ الناس، وكانت كما قال الله تعالى: {كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى} [البقرة: 143] (?) وكانت محنة من الله ليرى من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه،