أَصَابَنِي بِدُعَائِكُمَا فَادْعُوَا اللَّهَ لِي، وَلَكُمَا عَلَيَّ أَنْ أَرُدَّ النَّاسَ عَنْكُمَا، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأطلق، وسأله أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا، فَكَتَبَ لَهُ أبو بكر بأمره في أديم، وكان معه إلى يوم فتح مكة، فجاء بالكتاب فوفى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال: اليوم يَوْمُ وَفَاءٍ وَبِرٍّ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمَا الزَّادَ وَالْحِمْلَانِ، فَقَالَا: لَا حَاجَةَ لَنَا بِهِ وَلَكِنْ عَمِّ عَنَّا الطَّلَبَ، فَقَالَ: قَدْ كُفِيتُمْ، وَرَجَعَ فَوَجَدَ النَّاسَ فِي الطَّلَبِ، فَجَعَلَ يَقُولُ: قَدِ اسْتَبْرَأْتُ لكم الخبر، فكان أَوَّلَ النَّهَارِ جَاهِدًا عَلَيْهِمَا، وَآخِرَهُ حَارِسًا لَهُمَا، ثم مرا في مسيرهما ذلك بخيمتي أم معبد الخزاعية، ثم الكعبية، فسألوها الزاد، فلم يصيبوا عندها شيئا، وكانوا مسنتين، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى شاة في خيمتهم وسألها: «هل بها لبن» ؟ قالت: هي أجهد من ذلك إنما خلفها عن الغنم الجهد، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فمسح بيده ضرعها وسمى الله تعالى، ودعا فتفاجت عليه ودرت، ودعا بإناء بيربص الرهط، فحلب فيه حتى علته الرغوة وسقاها وسقى أصحابه وشرب آخرهم، ثم غادره عندها، وارتحلوا عنها ثم قال: وأصبح صوت عاليا بمكة يَسْمَعُونَهُ وَلَا يَرَوْنَ الْقَائِلَ:
جَزَى اللَّهُ رَبُّ الناس خَيْرَ جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ حَلَّا خَيْمَتَيْ أم معبد
هما نزلا بالبر وارتحلا به ... فأفلح من أمسى رفيق محمد
فيالقصي مَا زَوَى اللَّهُ عَنْكُمُ ... بِهِ مِنْ فَعَالٍ لا يجازى وسؤدد
سلوا أختكم عن شأنها وإنائها ... فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت ... له بصريح ضرة الشاة مزبد
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ... ويتلو كتاب الله في كل مشهد
وإن قال في يوم مقالة غائب ... فتصديقها في ضحوة اليوم أو غد
ترحل عن قوم فزالت عقولهم ... وحل على القوم بنور مجدد
هداهم به بعد الضلالة ربهم ... وأرشدهم من يتبع الحق يرشد
ليهن أبا بكر سعادة جده ... بصحبته من يسعد الله يسعد
ويهن بَنِي كَعْبٍ مَكَانَ فَتَاتِهِمْ ... وَمَقْعَدُهَا لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ
قالت أسماء: مَا دَرَيْنَا أَيْنَ تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ