بالله: ما كان هذا. وجعل ابن أبي يقول: هذا باطل، وما كان قومي ليفتاتوا علي بمثل هَذَا، لَوْ كُنْتُ بِيَثْرِبَ مَا صَنَعَ قَوْمِي هذا حتى يؤامروني. فرجعت قريش، ورحل البراء إِلَى بَطْنِ يَأْجَجَ، وَتَلَاحَقَ أَصْحَابُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وطلبتهم قريش، فأدركوا سعد بن عبادة، فجعلوا يضربونه حَتَّى أَدْخَلُوهُ مَكَّةَ، فَجَاءَ مطعم بن عدي والحارث بن حرب بن أمية، فخلصاه منهم، وَتَشَاوَرَتِ الْأَنْصَارُ حِينَ فَقَدُوهُ أَنْ يَكِرُّوا إِلَيْهِ، فإذا هو قد طلع عليهم، فرحلوا جميعا. وَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسلمين في الهجرة إِلَى الْمَدِينَةِ، فَبَادَرَ النَّاسُ إِلَى ذَلِكَ، فَكَانَ أول من خرج إليها أبو سلمة وامرأته، ولكنها احتبست عنه سنة وحيل بينها وبين ولدها، ثم خرجت بعد بِوَلَدِهَا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَشَيَّعَهَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طلحة. ثم خرج الناس أرسالا، ولم يبق بمكة إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعلي -أَقَامَا بِأَمْرِهِ لَهُمَا - وَإِلَّا من احتبسه المشركون كرها، وأعد رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِهَازَهُ ينتظر متى يؤمر، وأعد أبو بكر جهازه. فَلَمَّا رَأَى الْمُشْرِكُونَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قد خرجوا وساقوا الذراري والأموال إلى المدينة، وأنها دار منعة وأهلها أهل بأس، خافوا خُرُوجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم، فَيَشْتَدُّ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُ، فَاجْتَمَعُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ، وحضرهم إبليس في صورة شيخ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، مُشْتَمِلٌ الصَّمَّاءَ فِي كِسَائِهِ، فأشار كل واحد برأي، والشيخ لا يرضاه، حتى قال أبو جهل: أرى أن تأخذوا من كل قبيلة غلاما جلدا، ثم نعطيه سيفا صارما، ثم يضربونه ضربة رجل واحد، فلا تدري بنو عبد مناف ما تصنع بعد ذلك، ونسوق إليهم ديته. فقال الشيخ: هذا والله الرأي. فتفرقوا عليه، فجاءه جبريل فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَنَامَ فِي مَضْجَعِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أبي بكر نِصْفَ النَّهَارِ فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِيهِ فِيهَا مُتَقَنِّعًا، فَقَالَ لَهُ: «أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ» ، فَقَالَ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ» . فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله، قال: «نعم» . قال: فَخُذْ بِأَبِي وَأُمِّي إِحْدَى رَاحِلَتَيْ هَاتَيْنِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِالثَّمَنِ» . وَأَمَرَ عليا أَنْ يَبِيتَ فِي مَضْجَعِهِ تِلْكَ الليلة، واجتمع أولئك النفر يتطلعون من صير