{وَارْتَبْتُمْ} [الحديد: 14] شَكَكْتُمْ فِي نُبُوَّتِهِ وَفِيمَا أَوْعَدَكُمْ به، {وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ} [الحديد: 14] الْأَبَاطِيلُ وَمَا كُنْتُمْ تَتَمَنَّوْنَ مِنْ نِزُولِ الدَّوَائِرِ بِالْمُؤْمِنِينَ، {حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ} [الحديد: 14] يَعْنِي الْمَوْتَ، {وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [الحديد: 14] يَعْنِي الشَّيْطَانَ، قَالَ قَتَادَةُ: مَا زَالُوا عَلَى خُدْعَةٍ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى قَذَفَهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ.

[15] {فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ} [الحديد: 15] بَدَلٌ وَعِوَضٌ بِأَنْ تَفْدُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْعَذَابِ، {وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الحديد: 15] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، {مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحديد: 15] صَاحِبُكُمْ وَأَوْلَى بِكُمْ لِمَا أَسْلَفْتُمْ من الذنوب {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحديد: 15]

[16] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16] قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ سَأَلُوا سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالُوا حَدِّثْنَا عَنِ التَّوْرَاةِ فَإِنَّ فِيهَا الْعَجَائِبَ، فَنَزَلَتْ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يُوسُفَ: 3] فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ أَحْسَنُ قَصَصًا مِنْ غَيْرِهِ، فَكَفُّوا عَنْ سُؤَالِ سَلْمَانَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ عَادُوا فَسَأَلُوا سَلْمَانَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فَنَزَلَ: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} [الزُّمَرِ: 23] فَكَفُّوا عَنْ سُؤَالِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ عَادُوا فَقَالُوا: حَدِّثْنَا عَنِ التَّوْرَاةِ فَإِنَّ فِيهَا الْعَجَائِبَ فَنَزَلَتْ هذه الآية.

فعلى هذا تأويل قَوْلُهُ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16] يَعْنِي فِي الْعَلَانِيَةِ وَبِاللِّسَانِ.

وَقَالَ الآخرون: نَزَلَتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: "مَا كَانَ بَيْنَ إِسْلَامِنَا وَبَيْنَ أَنْ عَاتَبْنَا اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16] إِلَّا أَرْبَعُ سِنِينَ".

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ اسْتَبْطَأَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ فَعَاتَبَهُمْ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثَ عشر مِنْ نِزُولِ الْقُرْآنِ، فَقَالَ: {أَلَمْ يَأْنِ} [الحديد: 16] أَلَمْ يَحِنْ لِلَّذِينِ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ تَرِقَّ وَتَلِينَ وَتَخْضَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ، {وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد: 16] وَهُوَ الْقُرْآنُ، {وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ} [الحديد: 16] وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ} [الحديد: 16] الزَّمَانُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْبِيَائِهِمْ، {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 16] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَالُوا إِلَى الدُّنْيَا وَأَعْرَضُوا عَنْ مَوَاعِظِ اللَّهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَنْهَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونُوا فِي صحبة القرآن كاليهود الَّذِينَ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ لَمَّا طَالَ عليهم الدهر.

{وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16] يَعْنِي الَّذِينَ تَرَكُوا الْإِيمَانَ بِعِيسَى ومحمد عليهما الصلاة والسلام.

[17 - 18] وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ - إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ} [الحديد: 17 - 18] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ: بِتَخْفِيفِ الصَّادِ فِيهِمَا مِنَ التَّصْدِيقِ أَيِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِتَشْدِيدِهِمَا، أَيِ الْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الصَّادِ، {وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [الحديد: 18] بِالصَّدَقَةِ وَالنَّفَقَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015