[7] {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ} [الحجرات: 7] فَاتَّقُوا اللَّهَ أَنْ تَقُولُوا بَاطِلًا أَوْ تُكَذِّبُوهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يُخْبِرُهُ وَيُعَرِّفُهُ أَحْوَالَكُمْ فَتَفْتَضِحُوا، {لَوْ يُطِيعُكُمْ} [الحجرات: 7] أَيِ الرَّسُولُ، {فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ} [الحجرات: 7] مِمَّا تُخْبِرُونَهُ بِهِ فَيَحْكُمُ بِرَأْيِكُمْ، {لَعَنِتُّمْ} [الحجرات: 7] لَأَثِمْتُمْ وَهَلَكْتُمْ، وَالْعَنَتُ: الْإِثْمُ وَالْهَلَاكُ. {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ} [الحجرات: 7] فَجَعَلَهُ أَحَبَّ الْأَدْيَانِ إِلَيْكُمْ، {وَزَيَّنَهُ} [الحجرات: 7] حسنه، {فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 7] حتى اخترتموه وتطيعوا رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ} [الحجرات: 7] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ الْكَذِبَ، {وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات: 7] جَمِيعَ مَعَاصِي اللَّهِ، ثُمَّ عَادَ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْخَبَرِ، وَقَالَ: {أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7] المهتدون.
[8] {فَضْلًا} [الحجرات: 8] أَيْ كَانَ هَذَا فَضْلًا، {مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات: 8]
[9] قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] بِالدُّعَاءِ إِلَى حُكْمِ كِتَابِ اللَّهِ وَالرِّضَا بِمَا فِيهِ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا، {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا} [الحجرات: 9] تعدت إحداهما، {عَلَى الْأُخْرَى} [الحجرات: 9] وَأَبَتِ الْإِجَابَةَ إِلَى حُكْمِ كِتَابِ اللَّهِ، {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ} [الحجرات: 9] ترجع {إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] في كتابه وحكمه، {فَإِنْ فَاءَتْ} [الحجرات: 9] رَجَعَتْ إِلَى الْحَقِّ، {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} [الحجرات: 9] بِحَمْلِهِمَا عَلَى الْإِنْصَافِ وَالرِّضَا بِحُكْمِ الله، {وَأَقْسِطُوا} [الحجرات: 9] اعْدِلُوا {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9]
[10] {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] فِي الدِّينِ وَالْوِلَايَةِ، {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10] إذا اختلفا واقتتلا، {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحجرات: 10] فَلَا تَعْصُوهُ وَلَا تُخَالِفُوا أَمْرَهُ، لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.
[11] وَقَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات: 11] أي رجال من رجال، والقوم اسْمٌ يَجْمَعُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ، وَقَدْ يَخْتَصُّ بِجَمْعِ الرِّجَالِ، {عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [الحجرات: 11] أَيْ لَا يَعِبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَطْعَنْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات: 11] التَّنَابُزُ التَّفَاعُلُ مِنَ النَّبْزِ وَهُوَ اللَّقَبُ، وَهُوَ أَنْ يُدْعَى الْإِنْسَانُ بِغَيْرِ مَا سُمّي بِهِ. قَالَ عكرمة: وهو قَوْلُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: يَا فَاسِقُ يَا مُنَافِقُ يَا كَافِرُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ يُسْلِمُ، فَيُقَالُ لَهُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ يَا يهودي يا نصراني، فنهوا عنه ذَلِكَ. قَالَ عَطَاءٌ: هُوَ أَنْ تَقُولَ لِأَخِيكَ: يَا كَلْبُ يَا حِمَارُ يَا خِنْزِيرُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: التَّنَابُزُ بِالْأَلْقَابِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ عَمِلَ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابَ عَنْهَا فنُهي أَنْ يعير بما سلف عن عَمَلِهِ، {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} [الحجرات: 11] أَيْ بِئْسَ الِاسْمُ أَنْ يَقُولَ: يَا يَهُودِيُّ أَوْ يَا فَاسِقُ بَعْدَ مَا آمَنَ وَتَابَ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: إِنَّ مَنْ فَعَلَ مَا نُهي عَنْهُ مِنَ السُّخْرِيَةِ وَاللَّمْزِ وَالنَّبْزِ فَهُوَ فَاسِقٌ، وَبِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ، فَلَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ فَتَسْتَحِقُّوا اسْمَ الْفُسُوقِ، {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ} [الحجرات: 11] مِنْ ذَلِكَ {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11]
[قَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ] الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ. . .
[12] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات: 12] وَأَرَادَ أَنْ يَظُنَّ بِأَهْلِ الْخَيْرِ شرا، {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12] قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الظَّنُّ ظَنَّانِ أَحَدُهُمَا إِثْمٌ، وَهُوَ أَنْ تَظُنَّ وَتَتَكَلَّمَ بِهِ، وَالْآخَرُ لَيْسَ بِإِثْمٍ وَهُوَ أَنْ تَظُنَّ وَلَا تَتَكَلَّمَ. {وَلَا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12] التَّجَسُّسُ هُوَ الْبَحْثُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ، نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنِ البحث عن المستور من عيوب النَّاسِ وَتَتَبُّعِ عَوْرَاتِهِمْ حَتَّى لَا يَظْهَرَ عَلَى مَا سَتَرَهُ اللَّهُ منها، {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات: 12] يَقُولُ: لَا يَتَنَاوَلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِظَهْرِ الْغَيْبِ بِمَا يَسُوءُهُ مِمَّا هو فِيهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَتُدْرُونَ مَا الْغَيْبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ما تقول فقد بهته» (?) . {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12]