[242] {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 242]

[243] قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} [البقرة: 243] (أَلَمْ تَرَ) أَيْ: أَلَمْ تَعْلَمْ بِإِعْلَامِي إِيَّاكَ، وَهُوَ مِنْ رُؤْيَةِ القلب، وقال أَهْلُ الْمَعَانِي: هُوَ تَعْجِيبٌ يَقُولُ: هَلْ رَأَيْتَ مِثْلَهُمْ كَمَا تَقُولُ أَلَمْ تَرَ إِلَى مَا يَصْنَعُ فلان {وَهُمْ أُلُوفٌ} [البقرة: 243] جَمْعُ أَلْفٍ، وَقِيلَ: مُؤْتَلِفَةٌ قُلُوبُهُمْ جَمْعُ أُلْف، مِثْلُ قَاعِدٍ وَقَعُودٍ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْعَدَدُ، {حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة: 243] أَيْ: خَوْفَ الْمَوْتِ، {فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا} [البقرة: 243] أمر تحويل، كقوله تعالى: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الْبَقَرَةِ: 65] {ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} [البقرة: 243] بَعْدَ مَوْتِهِمْ {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 243] قِيلَ هُوَ عَلَى الْعُمُومِ فِي حق الكافة، وَقِيلَ عَلَى الْخُصُوصِ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [البقرة: 243] أَمَّا الْكُفَّارُ فَلَمْ يَشْكُرُوا، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَلَمْ يَبْلُغُوا غَايَةَ الشُّكْرِ.

[244] {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 244] أَيْ: فِي طَاعَةِ اللَّهِ أَعْدَاءَ اللَّهِ {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 244] قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: هَذَا خِطَابٌ لِلَّذِينِ أُحْيَوْا، أُمِرُوا بِالْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَخَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ فِرَارًا مِنَ الْجِهَادِ فَأَمَاتَهُمُ اللَّهُ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُجَاهِدُوا، وَقِيلَ: الْخِطَابُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَمَرَهُمْ بِالْجِهَادِ.

[245] قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: 245] الْقَرْضُ: اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُعْطِيهِ الْإِنْسَانُ ليجازَى عَلَيْهِ، فَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى عَمَلَ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ عَلَى رجاء ما عد لهم مِنَ الثَّوَابِ قَرْضًا، لِأَنَّهُمْ يَعْمَلُونَهُ لِطَلَبِ ثَوَابِهِ، قَالَ الْكِسَائِيُّ: الْقَرْضُ مَا أَسْلَفْتَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ أَوْ سَيِّئٍ، وَأَصْلُ الْقَرْضِ فِي اللُّغَةِ: الْقَطْعُ، سُمِّيَ بِهِ الْقَرْضُ لأنه يقطع به مِنْ مَالِهِ شَيْئًا يُعْطِيهِ لِيَرْجِعَ إِلَيْهِ مِثْلُهُ، وَقِيلَ فِي الْآيَةِ اخْتِصَارٌ مَجَازُهُ: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ عِبَادَ اللَّهِ وَالْمُحْتَاجِينَ مِنْ خلقه وقوله عز وجل: (يُقْرِضُ اللَّهَ) أَيْ: يُنْفِقُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ قَرْضًا حَسَنًا، قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَاقِدِيُّ، يَعْنِي: محتسبا طيبة به نفسه. قال ابْنُ الْمُبَارَكِ: مِنْ مَالٍ حَلَالٍ، وقال لَا يَمُنُّ بِهِ وَلَا يُؤْذِي {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: 245] قَالَ السُّدِّيُّ: هَذَا التَّضْعِيفُ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَقِيلَ سَبْعُمِائَةِ ضِعْفٍ، {وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} [البقرة: 245] قِيلَ: يَقْبِضُ بِإِمْسَاكِ الرِّزْقِ وَالنَّفْسِ وَالتَّقْتِيرِ، وَيَبْسُطُ بِالتَّوْسِيعِ وَقِيلَ: يَقْبِضُ بِقَبُولِ التَّوْبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَيَبْسُطُ بِالْخَلَفِ وَالثَّوَابِ، وَقِيلَ: هُوَ الْإِحْيَاءُ وَالْإِمَاتَةُ فَمَنْ أَمَاتَهُ فَقَدْ قَبَضَهُ وَمَنْ مَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ فَقَدْ بَسَطَ لَهُ، وَقِيلَ هَذَا فِي الْقُلُوبِ لَمَّا أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّدَقَةِ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ ذَلِكَ إِلَّا بِتَوْفِيقِهِ، قَالَ يَقْبِضُ بعض القلوب فلا ينشط بالخير وَيَبْسُطُ بَعْضَهَا فَيُقَدِّمُ لِنَفْسِهِ خَيْرًا {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 245] أَيْ: إِلَى اللَّهِ تَعُودُونَ فَيَجْزِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ، وَقَالَ قَتَادَةُ، الْهَاءُ رَاجِعَةٌ إلى التراب كناية من غَيْرِ مَذْكُورٍ أَيْ: مِنَ التُّرَابِ خلقهم واليه يعودون.

قوله تعالى ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من

[قَوْلُهُ تَعَالَى أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن] بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا. . . .

[246] قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 246] وَالْمَلَأُ مِنَ الْقَوْمِ: وُجُوهُهُمْ وَأَشْرَافُهُمْ، وَأَصْلُ الْمَلَأِ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ، وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، كَالْقَوْمِ وَالرَّهْطِ وَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالْجَيْشِ، وَجَمْعُهُ أَمْلَاءٌ، {مِنْ بَعْدِ مُوسَى} [البقرة: 246] أَيْ: مِنْ بَعْدِ مَوْتِ مُوسَى، {إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ} [البقرة: 246] وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ النَّبِيِّ، فَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونِ بْنِ افْرَائِيمَ بْنِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: اسْمُهُ شَمْعُونُ، وَقَالَ سَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ هُوَ إِشْمَوِيلُ وهو بالعبرانية إسماعيل، قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى إِشْمَوِيلَ نَبِيًّا فَلَبِثُوا أَرْبَعِينَ سَنَةً بِأَحْسَنِ حَالٍ، ثُمَّ كَانَ مِنْ أَمْرِ جَالُوتَ وَالْعَمَالِقَةِ مَا كَانَ، فَقَالُوا لِإِشْمَوِيلَ: {ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 246] جَزْمٌ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ، فَلَمَّا قَالُوا لَهُ ذَلِكَ، {قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ} [البقرة: 246] استفهام شك،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015