وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: رُبَّ رَاغِبٍ فِيكِ، مَنْ يَجِدُ مِثْلَكِ، إِنَّكِ لَجَمِيلَةٌ، وَإِنَّكِ لَصَالِحَةٌ، وَإِنَّكِ عَلَيَّ لَكَرِيمَةٌ، وَإِنِّي فِيكِ لَرَاغِبٌ، وَإِنَّ مِنْ غَرَضِي أَنْ أَتَزَوَّجَ، وَإِنْ جَمَعَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكِ بِالْحَلَالِ أَعْجَبَنِي، وَلَئِنْ تَزَوَّجْتُكِ لَأُحْسِنَنَّ إِلَيْكِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ أَنْكِحِينِي، وَالْمَرْأَةُ تُجِيبُهُ بِمِثْلِهِ إِنْ رَغِبَتْ فِيهِ وَالتَّعْرِيضُ بِالْخِطْبَةِ جَائِزٌ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ، أَمَّا الْمُعْتَدَّةُ عَنْ فُرْقَةِ الحياة ينظر إِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لمن بانت من نِكَاحُهَا كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا، وَالْمُبَانَةِ بِاللِّعَانِ والرضاع، فإنه يَجُوزُ خِطْبَتُهَا تَعْرِيضًا، وَإِنْ كَانَتْ ممن يحل لِلزَّوْجِ نِكَاحُهَا كَالْمُخْتَلِعَةِ وَالْمَفْسُوخِ نِكَاحُهَا، يَجُوزُ لِزَوْجِهَا خِطْبَتُهَا تَعْرِيضًا وَتَصْرِيحًا، وَهَلْ يَجُوزُ لِلْغَيْرِ تَعْرِيضًا؟ فِيهِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا، وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُعَاوَدَةَ ثابتة لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ كَالرَّجْعِيَّةِ لَا يَجُوزُ للغير تعريضا بالخطبة، وهو قوله تعالى: (مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ) الْتِمَاسُ النِّكَاحِ وَهِيَ مَصْدَرُ خَطَبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ يَخْطُبُ خِطْبَةً، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: الْخِطْبَةُ الذِّكْرُ وَالْخِطْبَةُ التَّشَهُّدُ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مَنْ ذِكْرِ النِّسَاءَ عِنْدَهُنَّ {أَوْ أَكْنَنْتُمْ} [البقرة: 235] أضمرتم، {فِي أَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 235] من نِكَاحَهُنَّ، يُقَالُ: أَكْنَنْتُ الشَّيْءَ وَكَنَنْتُهُ لُغَتَانِ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: أَكْنَنْتُ الشَّيْءَ، أَيْ: أَخْفَيْتُهُ فِي نَفْسِي وكننتُه سترتُه، قال السُّدِّيُّ: هُوَ أَنْ يَدْخُلَ فَيُسَلِّمَ وَيُهْدِيَ إِنْ شَاءَ وَلَا يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ، {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ} [البقرة: 235] بِقُلُوبِكُمْ، {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] اخْتَلَفُوا فِي السِّرِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، فقال قوم: هو الزنا، قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: أَيْ: لَا يَنْكِحُهَا سِرًّا فَيُمْسِكُهَا فَإِذَا حلّتْ أَظْهَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِكِ فَإِنِّي نَاكِحُكِ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ والسدي: لا يؤخذ مِيثَاقَهَا أَنْ لَا تَنْكِحَ غَيْرَهُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَا يَنْكِحُهَا وَلَا يَخْطُبُهَا فِي الْعِدَّةِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: السِّرُّ هُوَ الْجِمَاعُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَيْ لَا تَصِفُوا أَنْفُسَكُمْ لَهُنَّ بِكَثْرَةِ الْجِمَاعِ، فَيَقُولُ: آتِيكِ الْأَرْبَعَةَ والخمسة، وأشباه ذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} [البقرة: 235] هو مَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] أَيْ: لَا تُحَقِّقُوا الْعَزْمَ عَلَى عقد النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ، أَيْ: حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ، وَسَمَّاهَا اللَّهُ: كِتَابًا، لِأَنَّهَا فَرْضٌ مِنَ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ) أَيْ: فُرِضَ عَلَيْكُمْ {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة: 235] أَيْ: فَخَافُوا اللَّهَ {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: 235] لا يعجل بالعقوبة.

قوله تعالى لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما

[قَوْلُهُ تَعَالَى لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا] لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً. . . . .

[236] وقوله تَعَالَى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البقرة: 236] أَيْ: وَلَمْ تَمَسُّوهُنَّ وَلَمْ تَفْرِضُوا، نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يمسَّها، فَنَزَلَتْ هذه الآية (أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) أَيْ: تُوجِبُوا لَهُنَّ صَدَاقًا، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْوَجْهُ فِي نَفْيِ الْجُنَاحِ عَنِ الْمُطَلِّقِ؟ قِيلَ: الطَّلَاقُ قَطْعُ سَبَبِ الْوَصْلَةِ، وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ» ، فَنَفَى الْجُنَاحَ عَنْهُ إِذَا كَانَ الْفِرَاقُ أَرْوَحَ مِنَ الْإِمْسَاكِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا سَبِيلَ لِلنِّسَاءِ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ الْمَسِيسِ، وَالْفَرْضِ بِصَدَاقٍ وَلَا نَفَقَةٍ، وَقِيلَ: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي تَطْلِيقِهِنَّ قَبْلَ الْمَسِيسِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْتُمْ حَائِضًا كَانَتِ الْمَرْأَةُ أَوْ طَاهِرًا لِأَنَّهُ لَا سُنَّةَ وَلَا بِدْعَةَ فِي طَلَاقِهِنَّ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ بِهَا، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَطْلِيقُهَا فِي حال الحيض، {وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: 236] أَيْ: أَعْطُوهُنَّ مِنْ مَالِكُمْ مَا يَتَمَتَّعْنَ بِهِ، وَالْمُتْعَةُ وَالْمَتَاعُ: مَا يُتبلَّغ بِهِ مِنَ الزَّادِ، {عَلَى الْمُوسِعِ} [البقرة: 236] أَيْ: عَلَى الْغَنِيِّ، {قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ} [البقرة: 236] أي: الفقير، {قَدَرُهُ} [البقرة: 236] أي: إمكانه وطاقته (مَتَاعًا) نُصب عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: متعوهن، {مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 236] أَيْ: بِمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015