[20] {يَحْسَبُونَ} [الأحزاب: 20] يعني هؤلاء المنافقين، {الْأَحْزَابَ} [الأحزاب: 20] يعني قريشا وغطفان اليهود، {لَمْ يَذْهَبُوا} [الأحزاب: 20] لَمْ يَنْصَرِفُوا عَنْ قِتَالِهِمْ جُبْنًا وَفَرَقًا وَقَدِ انْصَرَفُوا، {وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ} [الأحزاب: 20] أي يرجعوا إليهم لِلْقِتَالِ بَعْدَ الذَّهَابِ، {يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ} [الأحزاب: 20] أَيْ يَتَمَنَّوْا لَوْ كَانُوا فِي بادية مع الْأَعْرَابِ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُبْنِ، يُقَالُ: بَدَا يَبْدُو بَدَاوَةً إِذَا خَرَجَ إِلَى الْبَادِيَةِ، {يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ} [الأحزاب: 20] أَخْبَارِكُمْ وَمَا آلَ إِلَيْهِ أَمَرُكُمْ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ: (يَسَّاءَلُونَ) مُشَدَّدَةً مَمْدُودَةً أي يتساءلون، {وَلَوْ كَانُوا} [الأحزاب: 20] يَعْنِي هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ، {فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب: 20] تَعْذِيرًا، أَيْ يُقَاتِلُونَ قَلِيلًا يُقِيمُونَ بِهِ عُذْرَهُمْ، فَيَقُولُونَ قَدْ قَاتَلْنَا.

[21] {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] أَيْ قُدْوَةٌ صَالِحَةٌ، وَهِيَ فُعْلَةٌ مِنَ الِائْتِسَاءِ، كَالْقُدْوَةِ مِنَ الِاقْتِدَاءِ اسْمٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ، أَيْ بِهِ اقْتِدَاءٌ حَسَنٌ إِنْ تَنْصُرُوا دين الله وتوازروا الرَّسُولَ وَلَا تَتَخَلَّفُوا عَنْهُ، وَتَصْبِرُوا عَلَى مَا يُصِيبُكُمْ كَمَا فَعَلَ هُوَ إِذْ كُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ وَجُرِحَ وَجْهُهُ، وَقُتِلَ عَمُّهُ وَأُوذِيَ بِضُرُوبٍ مِنَ الْأَذَى فَوَاسَاكُمْ مَعَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، فَافْعَلُوا أَنْتُمْ كَذَلِكَ أَيْضًا وَاسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ، {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ} [الأحزاب: 21] بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ: لَكُمْ، وَهُوَ تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ لِلْمُؤْمِنِينَ، يَعْنِي أَنَّ الْأُسْوَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَرْجُو ثَوَابَ اللَّهِ. وَقَالَ مَقَاتِلٌ: يخشى الله {وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: 21] أَيْ يَخْشَى يَوْمَ الْبَعْثِ الَّذِي فِيهِ جَزَاءُ الْأَعْمَالِ، {وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21] فِي جَمِيعِ الْمَوَاطِنِ عَلَى السَّرَّاءِ والضراء.

ثُمَّ وَصَفَ حَالَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ لِقَاءِ الْأَحْزَابِ فَقَالَ:

[22] {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا} [الأحزاب: 22] تَسْلِيمًا لِأَمْرِ اللَّهِ وَتَصْدِيقًا لِوَعْدِهِ، {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [الأحزاب: 22] وَعْدُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ مَا ذُكِرَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 214] إِلَى قَوْلِهِ: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [الْبَقَرَةِ: 214] فَالْآيَةُ تَتَضَمَّنُ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَلْحَقُهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ الْبَلَاءِ، فَلَمَّا رَأَوُا الْأَحْزَابَ وَمَا أَصَابَهُمْ مِنَ الشِّدَّةِ قَالُوا: هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22] أَيْ تَصْدِيقًا لِلَّهِ وَتَسْلِيمًا لِأَمْرِ الله.

قوله تعالى من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله

[قوله تعالى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ] عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا. . .

[23] {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] أَيْ قَامُوا بِمَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَوَفَّوْا بِهِ، {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} [الأحزاب: 23] أَيْ فَرَغَ مِنْ نَذْرِهِ وَوَفَّى بِعَهْدِهِ فَصَبْرَ عَلَى الْجِهَادِ حَتَّى اسْتُشْهِدَ، وَالنَّحْبُ: النَّذْرُ، وَالنَّحْبُ: الْمَوْتُ أَيْضًا، قَالَ مُقَاتِلٌ: قَضَى نَحْبَهُ يَعْنِي أَجْلَهُ فَقُتِلَ عَلَى الْوَفَاءِ يَعْنِي حَمْزَةَ وَأَصْحَابَهُ. وَقِيلَ: قَضَى نَحْبَهُ أَيْ بَذَلَ جُهْدَهُ فِي الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: نَحَبَ فُلَانٌ فِي سَيْرِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015