جَعَلَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَالْقُرْآنِ فِي قَلْبِهِ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ وَهِيَ الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الشَّجَرَةِ الَّتِي الْتَفَّ بِهَا الشَّجَرُ خَضْرَاءُ نَاعِمَةٌ لَا تُصِيبُهَا الشَّمْسُ لَا إِذَا طَلَعَتْ وَلَا إِذَا غَرَبَتْ فَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ، قَدِ احْتَرَسَ مِنْ أَنْ يُصِيبَهُ شَيْءٌ مِنَ الْفِتَنِ فَهُوَ بَيْنُ أَرْبَعِ خِلَالٍ: إِنْ أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإِنِ ابْتُلِيَ صَبْرَ، وَإِنْ حَكَمَ عَدَلَ، وَإِنْ قَالَ صَدَقَ، يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ أَيْ يَكَادُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ يَعْرِفُ الْحَقَّ قَبْلَ أن يتبين له بموافقته إياه نور على نور. وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ زَيْدٍ: هَذَا مَثَلُ الْقُرْآنِ، فَالْمِصْبَاحُ هُوَ الْقُرْآنُ فَكَمَا يُسْتَضَاءُ بِالْمِصْبَاحِ يُهْتَدَى بِالْقُرْآنِ، وَالزُّجَاجَةُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ وَالْمِشْكَاةُ فَمُهُ وَلِسَانُهُ وَالشَّجَرَةُ الْمُبَارَكَةُ شَجَرَةُ الْوَحْيِ، (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ) تَكَادُ حُجَّةُ الْقُرْآنِ تَتَّضِحُ وَإِنْ لَمْ يُقْرَأْ، نُورٌ عَلَى نُورٍ يَعْنِي الْقُرْآنُ نور من الله لِخَلْقِهِ مَعَ مَا أَقَامَ لَهُمْ مِنَ الدَّلَائِلِ وَالْأَعْلَامِ قَبِلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ، فَازْدَادَ بِذَلِكَ نُورًا عَلَى نور قوله تعالى: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور: 35] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لِدِينِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ نُورُ الْبَصِيرَةِ وَقِيلَ: الْقُرْآنُ {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ} [النور: 35] يُبَيِّنُ اللَّهُ الْأَشْيَاءَ لِلنَّاسِ تَقْرِيبًا لِلْأَفْهَامِ وَتَسْهِيلًا لِسُبُلِ الْإِدْرَاكِ، {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور: 35]

[36] قَوْلُهُ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ} [النور: 36] أَيْ ذَلِكَ الْمِصْبَاحُ فِي بُيُوتٍ. وَقِيلَ: يُوقَدُ فِي بُيُوتٍ، وَالْبُيُوتُ: هِيَ الْمَسَاجِدُ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: الْمَسَاجِدُ بيوت الله في الْأَرْضِ، وَرَوَى صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ) ، قَالَ: إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ مَسَاجِدَ لَمْ يَبْنِهَا إِلَّا نَبِيٌّ: الْكَعْبَةُ بَنَاهَا إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ فَجَعَلَاهَا قِبْلَةً، وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ بَنَاهُ دَاوُدُ وَسُلَيْمَانُ، وَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ بَنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسْجِدُ قُبَاءٍ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى بَنَاهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. قوله: {أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] قَالَ مُجَاهِدٌ: أَنْ تُبْنَى نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} [الْبَقَرَةِ: 127] قَالَ الْحَسَنُ: أَيْ تُعَظَّمَ أَيْ لَا يُذْكَرَ فِيهِ الْخَنَا مِنَ الْقَوْلِ. {وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُتْلَى فِيهَا كِتَابُهُ، (يُسَبِّحُ) ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ (يُسَبَّحُ) بِفَتْحِ الْبَاءِ عَلَى غَيْرِ تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ وَالْوَقْفُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ: (وَالْآصَالِ) وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِ الْبَاءِ جَعَلُوا التَّسْبِيحَ فعلا للرجال، {يُسَبِّحُ لَهُ} [النور: 36] أي: يصلي، {فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور: 36] أَيْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ. قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: أَرَادَ بِهِ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ. فَالَّتِي تُؤَدَّى بِالْغَدَاةِ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَالَّتِي تُؤَدَّى بِالْآصَالِ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءَيْنِ لِأَنَّ اسْمَ الْأَصِيلِ يَجْمَعُهُمَا. وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ صَلَاةَ الصبح والعصر.

قوله تعالى رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر

[قوله تعالى رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ] اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ. . .

[37] قوله: {رِجَالٌ} [النور: 37] قِيلَ: خَصَّ الرِّجَالَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015