جَمْعُ حُرْمَةٍ، وَإِنَّمَا جَمَعَهَا لِأَنَّهُ أَرَادَ حُرْمَةَ الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ، وَحُرْمَةَ الْإِحْرَامِ وَالْقِصَاصُ: الْمُسَاوَاةُ وَالْمُمَاثَلَةُ، وَهُوَ أَنْ يُفعل بِالْفَاعِلِ مِثْلُ مَا فَعَلَ، وَقِيلَ: هَذَا فِي أَمْرِ الْقِتَالِ، مَعْنَاهُ إِنْ بَدَءُوكُمْ بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَقَاتِلُوهُمْ فِيهِ، فَإِنَّهُ قِصَاصٌ بِمَا فَعَلُوا فِيهِ، {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} [البقرة: 194] وقاتلوه {بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] سُمي الْجَزَاءُ بِاسْمِ الِابْتِدَاءِ عَلَى ازْدِوَاجِ الْكَلَامِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشُّورَى: 40] {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 194]

[195] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 195] أَرَادَ بِهِ الْجِهَادَ وَكُلَّ خَيْرٍ هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَكِنَّ إِطْلَاقَهُ يَنْصَرِفُ إِلَى الْجِهَادِ، {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [الْبَقَرَةِ: 195] قِيلَ: الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {بِأَيديكُم} [البقرة: 195] زَائِدَةٌ، يُريد: وَلَا تُلْقُوا أَيْدِيَكُمْ، أَيْ: أَنْفُسَكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ عَبَّرَ عن الأنفس بالأيدي، كقوله تعالى: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشُّورَى: 30] أَيْ: بِمَا كَسَبْتُمْ، وَقِيلَ: الْبَاءُ فِي مَوْضِعِهَا، وفيه، حذف، أي: ولا تُلْقُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، أَيِ الْهَلَاكِ، وَقِيلَ: التَّهْلُكَةُ كُلُّ شَيْءٍ يَصِيرُ عَاقِبَتُهُ إِلَى الْهَلَاكِ، أَيْ: وَلَا تَأْخُذُوا فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ التَّهْلُكَةُ مَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَالْهَلَاكُ مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَالْعَرَبُ لَا تَقُولُ لِلْإِنْسَانِ: ألقَى بِيَدِهِ إِلَّا فِي الشر، وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا فِي الْبُخْلِ وَتَرَكِ الْإِنْفَاقِ، يَقُولُ: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ بِتَرْكِ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهُوَ قَوْلُ حُذَيْفَةَ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أنفقْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وإنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ إِلَّا سَهْمٌ أَوْ مِشْقَص، وَلَا يَقُولَنَّ أحدُكم: إِنِّي لَا أَجِدُ شَيْئًا، وقال السدي فيها: أنفقْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَوْ عِقَالًا وَلَا تُلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَلَا تقلْ: لَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: لَمَّا أَمَرَ الله تعالى بالإنفاق قال رجال: أُمِرْنَا بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَوْ أَنْفَقْنَا أَمْوَالَنَا بَقِينَا فُقَرَاءَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ مجاهد فيها: لا يمنعكم مِنْ نَفَقَةٍ فِي حَقٍّ خِيفةَ العيلة، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: كَانَ رِجَالٌ يَخْرُجُونَ فِي الْبُعُوثِ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ، فَإِمَّا أَنْ يُقطع بِهِمْ وإما أن يكونوا عِيَالًا، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِنْفَاقِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ يُنْفِقُهُ، فَلَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ وَلَا قُوتٍ فيُلقي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، فَالتَّهْلُكَةُ: أَنْ يَهْلِكَ مِنَ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ أَوْ بِالْمَشْيِ، وَقِيلَ: نزلت الْآيَةُ فِي تَرْكِ الْجِهَادِ، قَالَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ: نَزَلَتْ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تعالى لمّا أعزّ وَنَصَرَ رَسُولَهُ، قُلْنَا فِيمَا بَيْنَنَا: إِنَّا قَدْ تَرَكْنَا أَهْلَنَا وَأَمْوَالَنَا حَتَّى فَشَا الْإِسْلَامُ وَنَصَرَ اللَّهُ نبيَّه فلو رجعنا إلى أهلنا وَأَمْوَالِنَا فَأَقَمْنَا فِيهَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [الْبَقَرَةِ: 195] فَالتَّهْلُكَةُ الْإِقَامَةُ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَتَرْكُ الْجِهَادِ، فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى كَانَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا بِقُسْطَنْطِينِيَّةَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، فَتُوُفِّيَ هناك وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ: الْإِلْقَاءُ إِلَى التَّهْلُكَةِ هُوَ الْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: هُوَ الرَّجُلُ يُصِيبُ الذَّنْبَ فَيَقُولُ قَدْ هَلَكْتُ لَيْسَ لِي تَوْبَةٌ، فَيَيْأَسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَيَنْهَمِكُ فِي الْمَعَاصِي، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87] {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195]

[قَوْلِهِ تَعَالَى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ. . . .]

[196] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] اختلفوا في إتمامها فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْ يُتمَّهُمَا بمنَاسِكِهما وحدودِهما وَسُنَنِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلْقَمَةَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَمُجَاهِدٍ، وأَرْكَانُ الْحَجِّ خَمْسَةٌ: الْإِحْرَامُ، وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَحَلْقُ الرَّأْسِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015