الصَّافَّاتِ، {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ} [الصَّافَّاتِ: 145] ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهُ: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصَّافَّاتِ: 147] وَقَالَ الْآخَرُونَ. إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَبْلُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 139] {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [الصَّافَّاتِ: 140]

[89] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ} [الأنبياء: 89] أي دَعَا رَبَّهُ، {رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا} [الأنبياء: 89] وَحِيدًا لَا وَلَدَ لِي وَارْزُقْنِي وارثا، {وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء: 89] أثنى عَلَى اللَّهِ بِأَنَّهُ الْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ الْخَلْقِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مَنْ بَقِيَ حَيًّا.

[90] {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى} [الأنبياء: 90] ولدا {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 90] أَيْ جَعَلْنَاهَا وَلُودًا بَعْدَ مَا كَانَتْ عَقِيمًا، قَالَهُ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ سَيِّئَةَ الْخُلُقِ فأصلحها الله لَهُ بِأَنْ رَزْقَهَا حُسْنَ الْخُلُقِ. {إِنَّهُمْ} [الأنبياء: 90] الأنبياء، يَعْنِي الْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ {كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا} [الأنبياء: 90] طمعا {وَرَهَبًا} [الأنبياء: 90] خوفا، رغبا في رَحْمَةِ اللَّهِ، وَرَهبًا مِنْ عَذَابِ الله، {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90] أَيْ مُتَوَاضِعِينَ، قَالَ قَتَادَةُ: ذُلِّلَا لِأَمْرِ اللَّهِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: الْخُشُوعُ هُوَ الْخَوْفُ اللَّازِمُ فِي الْقَلْبِ.

قوله تعالى والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من

[قوله تعالى وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ] رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ. . . . .

[91] {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [الأنبياء: 91] حَفِظَتْ مِنَ الْحَرَامِ وَأَرَادَ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ، {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} [الأنبياء: 91] أَيْ أَمَرْنَا جِبْرَائِيلَ حَتَّى نَفَخَ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا، وَأَحْدَثْنَا بِذَلِكَ النَّفْخَ الْمَسِيحَ فِي بَطْنِهَا، وَأَضَافَ الرُّوحَ إِلَيْهِ تَشْرِيفًا لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، {وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 91] أَيْ دَلَالَةٍ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِنَا عَلَى خَلْقِ وَلَدٍ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَمْ يَقُلْ آيَتَيْنِ وَهُمَا آيَتَانِ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ وَجَعَلْنَا شَأْنَهُمَا وَأَمْرَهُمَا آيَةً وَلِأَنَّ الْآيَةَ كَانَتْ فِيهِمَا وَاحِدَةً، وَهِيَ أَنَّهَا أَتَتْ بِهِ مِنْ غَيْرِ فَحْلٍ.

[92] قوله: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ} [الأنبياء: 92] أَيْ مِلَّتُكُمْ وَدِينُكُمْ، {أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء: 92] أَيْ دِينًا وَاحِدًا وَهُوَ الْإِسْلَامُ، فَأُبْطِلُ مَا سِوَى الْإِسْلَامِ مِنَ الْأَدْيَانِ، وَأَصْلُ الْأُمَّةِ الْجَمَاعَةُ الَّتِي هِيَ عَلَى مَقْصِدٍ وَاحِدٍ فَجُعِلَتِ الشَّرِيعَةُ أُمَّةً وَاحِدَةً لِاجْتِمَاعِ أَهْلِهَا عَلَى مَقْصِدٍ وَاحِدٍ وَنَصَبَ أُمَّةً عَلَى الْقَطْعِ. {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92]

[93] {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} [الأنبياء: 93] أَيِ اخْتَلَفُوا فِي الدِّينِ فَصَارُوا فِرَقًا وَأَحْزَابًا، قَالَ الْكَلْبِيُّ: فَرَّقُوا دِينَهُمْ بَيْنَهُمْ يَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَتَبَرَّأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَالتَّقَطُّعُ ههنا بِمَعْنَى التَّقْطِيعِ، {كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} [الأنبياء: 93] فَنَجْزِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ.

[94] {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبياء: 94] لا يجحد ولا يبطل عمله سَعْيُهُ بَلْ يُشْكَرُ وَيُثَابُ عَلَيْهِ، {وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء: 94] لِعَمَلِهِ حَافِظُونَ، وَقِيلَ: مَعْنَى الشُّكْرِ من الله المجازاة، ومعنى الكفران ترك المجازاة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015