وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَعْنَاهُ كَمَا حَكَمَ فِي الْقَوْمِ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ غروب الشَّمْسِ كَذَلِكَ حَكَمَ فِي الَّذِينَ هم عند طلوع الشَّمْسِ، {وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا} [الكهف: 91] يَعْنِي بِمَا عِنْدَهُ وَمَعَهُ مِنَ الْجُنْدِ وَالْعُدَّةِ وَالْآلَاتِ خُبْرًا أَيْ علما.

[92] {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا} [الكهف: 92]

[93] {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} [الكهف: 93] هما هنا جبلان سدد، والقرنين مَا بَيْنَهُمَا حَاجِزًا بَيْنَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَمَنْ وَرَائَهُمْ. {وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا} [الكهف: 93] يَعْنِي: أَمَامَ السَّدَّيْنِ. {لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} [الكهف: 93] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (يُفْقِهُونَ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ عَلَى مَعْنَى لا يفهمون غَيْرَهُمْ قَوْلًا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الياء والقاف، أي لا يفهمون كَلَامَ غَيْرِهِمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لا يفهمون كَلَامَ أَحَدٍ وَلَا يَفْهَمُ النَّاسُ كَلَامَهُمْ.

[94] {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ} [الكهف: 94] فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالُوا ذَلِكَ وهم لا يفهمون؟ قِيلَ: كَلَّمَ عَنْهُمْ مُتَرْجِمٌ، دَلِيلُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا قَالَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِمْ يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ. {إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ} [الكهف: 94] قرأهما عاصم مهموزين، والآخرون بغير همز، وَهُمَا لُغَتَانِ أَصْلُهُمَا مِنْ أَجِيجِ النار، وهو ضوؤها وَشَرَرُهَا، شُبِّهُوا بِهِ لِكَثْرَتِهِمْ وَشِدَّتِهِمْ، وقيل: بالهمز من أَجِيجِ النَّارِ وَبِتَرْكِ الْهَمْزِ اسْمَانِ أعجميان، مثل هاروت وماروت قوله تعالى: {مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} [الكهف: 94] قَالَ الْكَلْبِيُّ: فَسَادُهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْرُجُونَ أَيَّامَ الرَّبِيعِ إِلَى أَرْضِهِمْ فَلَا يَدَعُونَ فِيهَا شَيْئًا أَخْضَرَ إلا أكلوه ولا يا بسا إلا احتملوه، وَأَدْخَلُوهُ أَرْضَهُمْ، وَقَدْ لَقُوا مِنْهُمْ أَذًى شَدِيدًا وَقَتْلًا. وَقِيلَ: فَسَادُهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ النَّاسَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ سَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ. {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} [الكهف: 94] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (خَرَاجًا) بِالْأَلِفِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ خَرْجًا بِغَيْرِ أَلِفٍ وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، أَيْ جُعْلًا وَأَجْرًا مِنْ أَمْوَالِنَا. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو: الْخَرْجُ مَا تَبَرَّعْتَ به، والخراج مَا لَزِمَكَ أَدَاؤُهُ. وَقِيلَ: الْخَرَاجُ على الأرض والخرج عَلَى الرِّقَابِ. يُقَالُ: أَدِّ خَرْجَ رَأْسِكَ وَخَرَاجَ مَدِينَتِكَ. {عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} [الكهف: 94] أَيْ حَاجِزًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْنَا.

[95] {قَالَ} [الكهف: 95] لَهُمْ ذُو الْقَرْنَيْنِ: {مَا مَكَّنِّي فِيهِ} [الكهف: 95] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ (مَكَّنَنِي) بِنُونَيْنِ ظَاهِرَيْنِ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِنُونٍ وَاحِدَةٍ مُشَدَّدَةٍ عَلَى الْإِدْغَامِ، أَيْ مَا قواني عليه، {رَبِّي خَيْرٌ} [الكهف: 95] من جعلكم، {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} [الكهف: 95] مَعْنَاهُ إِنِّي لَا أُرِيدُ الْمَالَ بَلْ أَعِينُونِي بِأَبْدَانِكُمْ وَقُوَّتِكُمْ، {أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} [الكهف: 95] أَيْ سَدًّا، قَالُوا: وَمَا تِلْكَ الْقُوَّةُ؟ قَالَ: فَعَلَةٌ وَصُنَّاعٌ يُحْسِنُونَ الْبِنَاءَ وَالْعَمَلَ، وَالْآلَةُ. قَالُوا وَمَا تلك الآلة؟ قال:

[96] {آتُونِي} [الكهف: 96] أَعْطُوْنِي وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ ائْتُونِي أي جيئوني، {زُبَرَ الْحَدِيدِ} [الكهف: 96] أَيْ قِطَعَ الْحَدِيدِ وَاحِدَتُهَا زُبْرَةٌ، فَآتَوْهُ بِهَا وَبِالْحَطَبِ وَجَعَلَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فَلَمْ يَزَلْ يَجْعَلُ الْحَدِيدَ عَلَى الْحَطَبِ وَالْحَطَبَ عَلَى الْحَدِيدِ، {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} [الكهف: 96] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ بِضَمِّ الصَّادِّ وَالدَّالِّ، وَجَزَمَ أَبُو بَكْرٍ الدَّالَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِهَا، وَهُمَا الْجَبَلَانِ، سَاوَى أَيْ: سَوَّى بَيْنَ طَرَفَيِ الجبلين. {قَالَ انْفُخُوا} [الكهف: 96] وَفِي الْقِصَّةِ أَنَّهُ جَعَلَ الْفَحْمَ وَالْحَطَبَ فِي خِلَالِ زُبَرِ الْحَدِيدِ ثُمَّ قَالَ انْفُخُوا يَعْنِي فِي النَّارِ، {حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا} [الكهف: 96] أَيْ صَارَ الْحَدِيدُ نَارًا، {قَالَ آتُونِي} [الكهف: 96] قَرَأَ حَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ وَصْلًا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِقَطْعِ الْأَلِفِ. {أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96] أَيْ آتَوْنِي قِطْرًا أُفْرِغْ عَلَيْهِ، والإفراغ الصب والقطر هُوَ النُّحَاسُ الْمُذَابُ، فَجَعَلَتِ النَّارُ تَأْكُلُ الْحَطَبَ وَيَصِيرُ النُّحَاسُ مَكَانَ الْحَطَبِ حَتَّى لَزِمَ الْحَدِيدُ النُّحَاسَ. قال قتادة: هو كالبر والبحر طَرِيقَةٌ سَوْدَاءُ وَطَرِيقَةٌ حَمْرَاءُ، وَفِي الْقِصَّةِ أَنَّ عَرْضَهُ كَانَ خَمْسِينَ ذِرَاعًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015