[70] {قَالَ} [الكهف: 70] الخضر، {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي} [الكهف: 70] فَإِنْ صَحِبْتَنِي وَلَمْ يَقُلْ اتَّبِعْنِي وَلَكِنْ جَعَلَ الِاخْتِيَارَ إِلَيْهِ إِلَّا أَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ شَرْطًا فَقَالَ، {فَلَا تَسْأَلْنِي} [الكهف: 70] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ، وَالْآخَرُونَ بِسُكُونِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ، {عَنْ شَيْءٍ} [الكهف: 70] أعمله فيما تنكره وتعترض عليه، عن شيء، حتى ابتدأ لَكَ بِذِكْرِهِ فَأُبَيِّنُ لَكَ شَأْنَهُ.
[71] {فَانْطَلَقَا} [الكهف: 71] يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ يَطْلُبَانِ سَفِينَةً يركبانها فوجدا سفينة فركباها، وَرُوِّينَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «مَرَّتْ بِهِمْ سَفِينَةٌ فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمْ فَعَرَفُوا الْخَضِرَ فَحَمَلُوهُمْ بِغَيْرِ نَوْلٍ، فَلَمَّا لَجَّجُوا الْبَحْرَ أَخَذَ الْخَضِرُ فَأْسًا فَخَرَقَ لَوْحًا مِنَ السفينة» فذلك قوله: {حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ} [الكهف: 71] لَهُ مُوسَى، {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} [الكهف: 71] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: لِيَغْرَقَ بِالْيَاءِ وفتحها وفتح الراء وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ وَرَفْعِهَا وَكَسْرِ الراء أهلها النصب عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ لِلْخَضِرِ، {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} [الكهف: 71] أَيْ مُنْكَرًا، وَالْإِمْرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الدَّاهِيَةُ، وَأَصْلُهُ كُلُّ شَيْءٍ شَدِيدٌ كَثِيرٌ، يُقَالُ: أَمِرَ الْقَوْمُ إِذَا كَثُرُوا وَاشْتَدَّ أَمْرُهُمْ. وَقَالَ القتيبي: {إِمْرًا} [الكهف: 71] أي عجبا.
[72] {قَالَ} [الكهف: 72] الْعَالِمُ وَهُوَ الْخَضِرُ، {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: 72]
[73] {قَالَ} [الكهف: 73] مُوسَى، {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} [الكهف: 73] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ لَمْ يَنْسَ وَلَكِنَّهُ مِنْ مَعَارِيضِ الْكَلَامِ، فَكَأَنَّهُ نَسِيَ شَيْئًا آخَرَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ بِمَا تَرَكْتُ مِنْ عَهْدِكَ وَالنِّسْيَانُ التَّرْكُ. وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَتِ الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا وَالْوُسْطَى شَرْطًا وَالثَّالِثَةُ عمدا» (?) {وَلَا تُرْهِقْنِي} [الكهف: 73] وَلَا تَغْشَنِي، {مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} [الكهف: 73] وَقِيلَ: لَا تُكَلِّفْنِي مَشَقَّةً، يُقَالُ: أَرْهَقْتُهُ عُسْرًا أَيْ كَلَّفْتُهُ ذَلِكَ، يَقُولُ لَا تُضَيِّقْ عَلَيَّ أَمْرِي وَعَامِلْنِي بِالْيُسْرِ وَلَا تُعَامِلْنِي بِالْعُسْرِ.
[74] {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ} [الكهف: 74] فِي الْقِصَّةِ أَنَّهُمَا خَرَجَا مِنَ الْبَحْرِ يَمْشِيَانِ فَمَرَّا بِغِلْمَانٍ يَلْعَبُونَ فَأَخَذَ الْخَضِرُ غُلَامًا ظَرِيفًا وَضِيءَ الْوَجْهِ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ بِالسِّكِّينِ قال الضَّحَاكُ: كَانَ غُلَامًا يَعْمَلُ بِالْفَسَادِ وتأذى منه أبواه، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْغُلَامَ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَضِرُ طُبِعَ كَافِرًا وَلَوْ عَاشَ لَأَرْهَقَ أَبَوَيْهِ طُغْيَانًا وَكُفْرًا» (?) . {قَالَ} [الكهف: 74] موسى، {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} [الكهف: 74] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: (زَاكِيَةً) بِالْأَلِفِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: زَكِيَّةً، قَالَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، مِثْلُ: الْقَاسِيَةُ وَالْقَسِيَّةُ، وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ: الزَّاكِيَةُ الَّتِي لَمْ تُذْنِبْ قط، والزكية الَّتِي أَذْنَبَتْ ثُمَّ تَابَتْ، {بِغَيْرِ نَفْسٍ} [الكهف: 74] أَيْ لَمْ تَقْتُلْ نَفْسًا بِشَيْءٍ وَجَبَ بِهِ عَلَيْهَا الْقَتْلُ، {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} [الكهف: 74] أَيْ مُنْكَرًا. قَالَ قَتَادَةُ: النُّكْرُ أَعْظَمُ مِنَ الْإِمْرِ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ الْهَلَاكِ، وَفِي خَرْقِ السَّفِينَةِ كَانَ خَوْفُ الْهَلَاكِ، وَقِيلَ: الْإِمْرُ أَعْظَمُ لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِ تَغْرِيقُ جَمْعٍ كَثِيرٍ. قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ وَأَبُو بَكْرٍ هَاهُنَا نَكِرًا وَفِي سُورَةِ الطَّلَاقِ بِضَمِّ الْكَافِ، والآخرون بسكونها.
[75] {قَالَ} [الكهف: 75] يَعْنِي الْخَضِرَ {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: 75] قيل: زاد هنا لِأَنَّهُ نَقَضَ الْعَهْدَ مَرَّتَيْنِ، وَفِي الْقِصَّةِ أَنَّ يُوشَعَ كَانَ يَقُولُ لِمُوسَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ اذْكُرِ الْعَهْدَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ.
[76] {قَالَ} [الكهف: 76] مُوسَى، {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا} [الكهف: 76] بَعْدَ هَذِهِ الْمَرَّةِ، {فَلَا تُصَاحِبْنِي} [الكهف: 76] وَفَارِقْنِي، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ: فَلَا تصحبنِي بِغَيْرِ أَلِفٍ مِنَ الصُّحْبَةِ. {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} [الكهف: 76] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو بَكْرٍ مِنْ لَدُنِي خَفِيفَةَ النُّونِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ، بِتَشْدِيدِهَا، قَالَ ابْنُ عباس: أي قد