ابن صَعْصَعَةَ، وَبَنِي مُدْلِجٍ فِيمَا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ، وَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ، فَالْحَلَالُ مَا أَحَلَّهُ الشَّرْعُ. طَيِّبًا، قِيلَ: مَا يُسْتَطَابُ وَيُسْتَلَذُّ، وَالْمُسْلِمُ يَسْتَطِيبُ الحلال، ويخاف الحرام، {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة: 168] آثاره وزلاته، وقيل: هي النذور فِي الْمَعَاصِي، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هِيَ الْمُحَقَّرَاتُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: طُرُقُهُ، {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 168] بين الْعَدَاوَةِ، وَقَدْ أَظْهَرَ عَدَاوَتَهُ بِإِبَائِهِ السُّجُودَ لِآدَمَ وَغُرُورِهِ إِيَّاهُ، حَتَّى أخرجه من الجنة، ثُمَّ ذَكَرَ عَدَاوَتَهُ فَقَالَ:

[169] {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ} [البقرة: 169] أَيْ: بِالْإِثْمِ، وَأَصْلُ السُّوءِ مَا يَسُوءُ صَاحِبَهُ، وَهُوَ مَصْدَرُ سَاءَ يسوء سوءًا وَمَسَاءَةً، أَيْ: أَحْزَنَهُ، وسوَّأته فَسَاءَ أي: حزَّنته فحزن، {وَالْفَحْشَاءِ} [البقرة: 169] الْمَعَاصِي وَمَا قَبُحَ مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ كَالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْفَحْشَاءُ مِنَ الْمَعَاصِي مَا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ، وَالسُّوءُ مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَا حَدَّ فِيهِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: هِيَ الزِّنَا، وَقِيلَ: هِيَ الْبُخْلُ، {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169] من تحريم الحرث والأنعام.

[170] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا} [البقرة: 170] أَيْ: مَا وَجَدْنَا {عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [البقرة: 170] مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي تَحْلِيلِ مَا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ وَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ، وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ عائدتان إِلَى النَّاسِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا} [البقرة: 168]

و (مَا أَلْفَيْنَا) مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا مِنَ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ، قَالَ تعالى: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ} [البقرة: 170] أَيْ: كَيْفَ يَتَّبِعُونَ آبَاءَهُمْ، وَآبَاؤُهُمْ {لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا} [البقرة: 170] ؟ الواو فِي (أَوَلَوْ) وَاوُ الْعَطْفِ، وَيُقَالُ لها أيضًا: وَاوُ التَّعَجُّبِ دَخَلَتْ عَلَيْهَا أَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ لِلتَّوْبِيخِ، وَالْمَعْنَى: أَيَتَّبِعُونَ آبَاءَهُمْ وَإِنْ كَانُوا جُهَّالًا لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا، لَفْظُهُ عَامٌّ وَمَعْنَاهُ الْخُصُوصُ، أَيْ: لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْقِلُونَ أمر الدنيا، {وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة: 170] ثُمَّ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا فَقَالَ جل ذكره.

قوله تعالى ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق

[قوله تعالى وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ] بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ. . .

[171] {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ} [البقرة: 171] وَالنَّعِيقُ وَالنَّعْقُ: صَوْتُ الرَّاعِي بِالْغَنَمِ، مَعْنَاهُ: مَثَلُكَ يَا مُحَمَّدُ وَمَثَلُ الْكُفَّارِ فِي وَعْظِهِمْ وَدُعَائِهِمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَمَثَلِ الرَّاعِي الَّذِي يَنْعِقُ بِالْغَنَمِ، وَقِيلَ: مَثَلُ وَاعِظِ الْكُفَّارِ وَدَاعِيهِمْ مَعَهُمْ كَمَثَلِ الرَّاعِي يَنْعِقُ بِالْغَنَمِ وَهِيَ لَا تسمع، {إِلَّا دُعَاءً} [البقرة: 171] صوتا {وَنِدَاءً} [البقرة: 171] فَأَضَافَ الْمَثَلَ إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يُوسُفَ: 82] مَعْنَاهُ كَمَا أَنَّ الْبَهَائِمَ تَسْمَعُ صَوْتَ الرَّاعِي وَلَا تَفْهَمُ وَلَا تَعْقِلُ مَا يُقَالُ لَهَا، كَذَلِكَ الْكَافِرُ لَا يَنْتَفِعُ بِوَعْظِكَ إِنَّمَا يَسْمَعُ صَوْتَكَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قِلَّةِ عَقْلِهِمْ وَفَهْمِهِمْ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ، كَمَثَلِ الْمَنْعُوقِ بِهِ مِنَ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَفْقَهُ مِنَ الْأَمْرِ والنهي إلا الصوت وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي دُعَاءِ الْأَصْنَامِ الَّتِي لَا تَفْقَهُ وَلَا تَعْقِلُ كَمَثَلِ النَّاعِقِ بِالْغَنَمِ، فَلَا يُنْتَفَعُ مِنْ نَعِيقِهِ بِشَيْءٍ، غَيْرَ أَنَّهُ فِي غِنَاءٍ مِنَ الدُّعَاءِ وَالنِّدَاءِ، كَذَلِكَ الْكَافِرُ لَيْسَ لَهُ مِنْ دُعَاءِ الْآلِهَةِ وَعِبَادَتِهَا إِلَّا الْعَنَاءُ وَالْبَلَاءُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} [فَاطِرٍ: 14] وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي دُعَاءِ الْأَوْثَانِ، كَمَثَلِ الَّذِي يَصِيحُ فِي جَوْفِ الْجِبَالِ، فَيَسْمَعُ صَوْتًا يقال له الصداء لَا يَفْهَمُ مِنْهُ شَيْئًا، فَمَعْنَى الْآيَةِ: كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ مِنْهُ النَّاعِقُ إِلَّا دعاء ونداء. {صُمٌّ} [البقرة: 171] تَقُولُ الْعَرَبُ لِمَنْ لَا يَسْمَعُ ولا يعمل: كأنه أصم، {بُكْمٌ} [البقرة: 171] عَنِ الْخَيْرِ لَا يَقُولُونَهُ، {عُمْيٌ} [البقرة: 171] عَنِ الْهُدَى، لَا يُبْصِرُونَهُ، {فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة: 171]

[172] قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ} [البقرة: 172]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015