شَدِيدٌ كَأَنَّهُ عُصِبَ بِهِ الشَّرُّ وَالْبَلَاءُ، أَيْ: شُدَّ، قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: خَرَجَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ عِنْدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَحْوَ قَرْيَةِ قوم لُوطٍ فَأَتَوْا لُوطًا نِصْفَ النَّهَارِ، وَهُوَ فِي أَرْضٍ لَهُ يَعْمَلُ فِيهَا، وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَحْتَطِبُ، وقد قال الله تعالى للملائكة: لَا تُهْلِكُوهُمْ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِمْ لُوطٌ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، فَاسْتَضَافُوهُ فَانْطَلَقَ بهم، فلما مشى بهم ساعة قال لهم: بَلَغَكُمْ أَمْرُ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ: قَالُوا: وَمَا أَمْرُهُمْ قَالَ، أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهَا لِشَرُّ قَرْيَةٍ فِي الأرض عما يَقُولُ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَدَخَلُوا مَعَهُ مَنْزِلَهُ، وَرُوِيَ أَنَّهُ حَمَلَ الْحَطَبَ وَتَبِعَتْهُ الْمَلَائِكَةُ فَمَرَّ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ فَغَمَزُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَقَالَ لُوطٌ: إِنَّ قَوْمِي شَرُّ خَلْقِ اللَّهِ، ثُمَّ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ: فَغَمَزُوا فَقَالَ لوط مثله، ثم مر بقوم فَقَالَ مِثْلَهُ، ثُمَّ مَرَّ بِقَوْمٍ آخَرِينَ، فَقَالَ مَثَلَهُ، فَكَانَ كُلَّمَا قال لوط هذا القوال قَالَ جِبْرِيلُ لِلْمَلَائِكَةِ: اشْهَدُوا حَتَّى أَتَى مَنْزِلَهُ، وَرُوِيَ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ جاؤوا إِلَى بَيْتِ لُوطٍ فَوَجَدُوهُ فِي دَارِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ أَحَدٌ إِلَّا أَهْلَ بَيْتِ لُوطٍ، فَخَرَجَتِ امْرَأَتُهُ فَأَخْبَرَتْ قَوْمَهَا، وَقَالَتْ: إِنَّ فِي بَيْتِ لُوطٍ رِجَالًا مَا رَأَيْتُ مِثْلَ وُجُوهِهِمْ قَطُّ.
[78] {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} [هود: 78] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: يُسْرِعُونَ إِلَيْهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يُهَرْوِلُونَ وَقَالَ الْحَسَنُ: مَشْيٌ بَيْنَ مِشْيَتَيْنِ، قَالَ شِمْرُ بْنُ عَطِيَّةَ: بَيْنَ الْهَرْوَلَةِ والجمز. {وَمِنْ قَبْلُ} [هود: 78] أَيْ: مِنْ قَبْلِ مَجِيئِهِمْ إِلَى لوط، {كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 78] كَانُوا يَأْتُونَ الرِّجَالَ فِي أَدْبَارِهِمْ. {قَالَ} [هود: 78] لَهُمْ لُوطٌ حِينَ قَصَدُوا أَضْيَافَهُ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ غِلْمَانٌ، {يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78] يَعْنِي: بِالتَّزْوِيجِ، وَفِي أَضْيَافِهِ بِبَنَاتِهِ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، تَزْوِيجُ الْمُسْلِمَةِ مِنَ الْكَافِرِ جَائِزًا كَمَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ مِنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ وَأَبِي العاصِ بْنِ الرَّبِيعِ قَبْلَ الْوَحْيِ، وَكَانَا كَافِرَيْنِ، وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: عَرَضَ بَنَاتَهُ عَلَيْهِمْ بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قَوْلُهُ {بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78] أَرَادَ نِسَاءَهُمْ وَأَضَافَ إِلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ أَبُو أُمَّتِهِ، وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وأزواجه أمهاتهم هو أَبٌ لَهُمْ) ، وَقِيلَ: ذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الدَّفْعِ لَا عَلَى التحقيق، فلم يرضوا هذا القول. {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي} [هود: 78] أَيْ: خَافُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ في ضيفي، أي: لا تسوؤني وَلَا تَفْضَحُونِي فِي أَضْيَافِي. {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود: 78] صالح سديد، وقال عِكْرِمَةُ: رَجُلٌ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: رَجُلٌ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ المنكر.
[79] {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ} [هود: 79] يَا لُوطُ، {مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} [هود: 79] أَيْ: لَسْنَ أَزْوَاجًا لَنَا فَنَسْتَحِقُّهُنَّ بِالنِّكَاحِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَا لَنَا فِيهِنَّ مِنْ حَاجَةٍ وَشَهْوَةٍ. {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود: 79] من إتيان الرجال.