أَيْ: أُرْجِئَ أَمْرُهُمْ عَنْ تَوْبَةِ أَبِي لُبَابَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ هُمْ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الشَّاعِرُ ومرارة ابن الرَّبِيعِ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ كُلُّهُمْ من الأنصار، قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} [التوبة: 118] أي: اتسعت, {وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ} [التوبة: 118] غمًّا وهمًّا {وَظَنُّوا} [التوبة: 118] أَيْ: تَيَقَّنُوا، {أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ} [التوبة: 118] لَا مَفْزَعَ مِنَ اللَّهِ، {إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا} [التوبة: 118] أَيْ: لِيَسْتَقِيمُوا عَلَى التَّوْبَةِ، فَإِنَّ تَوْبَتَهُمْ قَدْ سَبَقَتْ، {إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 118]
[119] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] قَالَ نَافِعٌ: مَعَ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَعَ الْمُهَاجِرِينَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: 8] إِلَى قَوْلِهِ {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الْحَشْرِ: 8] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: مَعَ الَّذِينَ صَدَقَتْ نِيَّاتُهُمْ وَاسْتَقَامَتْ قُلُوبُهُمْ وَأَعْمَالُهُمْ، وَخَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوكَ بِإِخْلَاصِ نِيَّةٍ، وَقِيلَ: مَعَ الَّذِينَ صَدَقُوا فِي الِاعْتِرَافِ بِالذَّنْبِ، وَلَمْ يَعْتَذِرُوا بِالْأَعْذَارِ الْكَاذِبَةِ، وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَأُ: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119] وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ الْكَذِبَ لَا يَصْلُحُ فِي جِدٍّ وَلَا هَزْلٍ، وَلَا أَنْ يَعِدَ أَحَدُكُمْ صَبِيِّهُ شَيْئًا ثُمَّ لَا يُنْجِزُ له، اقرؤوا إن شئتم هَذِهِ الْآيَةَ.
[120] قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ} [التوبة: 120] ظاهره خبر معناه نَهْيٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [الْأَحْزَابِ: 53] {وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ} [التوبة: 120] سُكَّانُ الْبَوَادِي مُزَيْنَةُ وَجُهَيْنَةُ وَأَشْجَعُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارٌ، {أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} [التوبة: 120] إذا غزا، {وَلَا يَرْغَبُوا} [التوبة: 120] أَيْ: وَلَا أَنْ يَرْغَبُوا، {بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} [التوبة: 120] فِي مُصَاحَبَتِهِ وَمُعَاوَنَتِهِ وَالْجِهَادِ مَعَهُ، قَالَ الْحَسَنُ: لَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عن أَنْ يُصِيبَهُمْ مِنَ الشَّدَائِدِ فَيَخْتَارُوا الْخَفْضَ وَالدَّعَةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَشَقَّةِ السَّفَرِ، وَمُقَاسَاةِ التَّعَبِ. {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ} [التوبة: 120] في سفرهم، {ظَمَأٌ} [التوبة: 120] عطش، {وَلَا نَصَبٌ} [التوبة: 120] تعب، {وَلَا مَخْمَصَةٌ} [التوبة: 120] مَجَاعَةٌ، {فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا} [التوبة: 120] أرضا، {يَغِيظُ الْكُفَّارَ} [التوبة: 120] وَطْؤُهُمْ إِيَّاهُ {وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا} [التوبة: 120] أَيْ: لَا يُصِيبُونَ مِنْ عَدُوِّهِمْ قَتْلًا أَوْ أَسْرًا أَوْ غَنِيمَةً أَوْ هَزِيمَةً، {إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120] كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُمَا اللَّهُ عَلَى النَّارِ» (?) وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ قَتَادَةُ: هَذِهِ خَاصَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَزَا بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ إِلَّا بِعُذْرٍ، فَأَمَّا غَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَالْوُلَاةِ فَيَجُوزُ لِمَنْ شَاءَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بالمسلمين إليه ضرورة،