النفاق {الْعَابِدُونَ} [التوبة: 112] الْمُطِيعُونَ الَّذِينَ أَخْلَصُوا الْعِبَادَةَ لِلَّهِ عز وجل {الْحَامِدُونَ} [التوبة: 112] الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ عَلَى كُلِّ حال في السراء والضراء {السَّائِحُونَ} [التوبة: 112] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هُمُ الصَّائِمُونَ، وَقَالَ عَطَاءٌ: السَّائِحُونَ الْغُزَاةُ الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: السَّائِحُونَ هُمْ طَلَبَةُ الْعِلْمِ، {الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ} [التوبة: 112] يعني المصلين، {الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} [التوبة: 112] بالإيمان, {وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 112] عَنِ الشِّرْكِ، وَقِيلَ: الْمَعْرُوفُ السَّنَةُ وَالْمُنْكَرُ الْبِدْعَةُ، {وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} [التوبة: 112] الْقَائِمُونَ بِأَوَامِرِ اللَّهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: أَهْلُ الْوَفَاءِ بِبَيْعَةِ اللَّهِ، {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 112]
[113] {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآية، قال قوم: «لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ: " أَيْ عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ "، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ بن المغيرة: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ ويعودان لتلك الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخر ما كلمهم: أنا عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ "، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ،» وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَبِرَيْدَةُ: «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ أَتَى قَبْرَ أُمِّهِ آمِنَةَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ حَتَّى حَمِيَتِ الشَّمْسُ رَجَاءَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فَيَسْتَغْفِرَ لَهَا فَنَزَلَتْ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] » الآية (?) قَالَ قَتَادَةُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَأَسْتَغْفِرَنَّ لِأَبِي، كَمَا اسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ " فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ» (?) . وَقَالَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ الله عنه: «سَمِعْتُ رَجُلًا يَسْتَغْفِرُ لِوَالِدَيْهِ وَهُمَا مُشْرِكَانِ، فَقُلْتُ لَهُ: تَسْتَغْفِرُ لَهُمَا وَهُمَا مُشْرِكَانِ؟ فَقَالَ: أَوَلَمْ يَسْتَغْفِرْ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ؟ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ} [الممتحنة: 4] إِلَى قَوْلِهِ: {إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} [الْمُمْتَحَنَةُ: 4] » (?) .
[114] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [التوبة: 114] قَالَ بَعْضُهُمْ: الْهَاءُ فِي إِيَّاهُ عَائِدَةٌ إِلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْوَعْدُ كَانَ مِنْ أَبِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ وَعَدَهُ أَنْ يُسْلِمَ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي يَعْنِي إِذَا أَسْلَمْتَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى الْأَبِ، وَذَلِكَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَعْدَ أَبَاهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُ رَجَاءَ إِسْلَامِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} [مريم: 47] يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ: (وَعَدَهَا أَبَاهُ) ، بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْوَعْدَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَكَانَ الِاسْتِغْفَارُ فِي حَالِ شِرْكِ الْأَبِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ} [الممتحنة: 4] إِلَى أَنْ قَالَ: {إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} [الْمُمْتَحَنَةُ: 4] فَصَرَّحَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَيْسَ بِقُدْوَةٍ فِي هَذَا الِاسْتِغْفَارِ، وَإِنَّمَا اسْتَغْفَرَ لَهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ لِمَكَانِ الْوَعْدِ رَجَاءَ أَنْ يُسْلِمَ، {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ} [التوبة: 114] لِمَوْتِهِ عَلَى الْكُفْرِ، {تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: 114] وَقِيلَ: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ منه أي: يتبرأ منه، قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114] اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْأَوَّاهِ، جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "إِنَّ الْأَوَّاهَ الْخَاشِعُ الْمُتَضَرِّعُ "، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: الْأَوَّاهُ الدَّعَّاءُ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ الْمُؤْمِنُ التَّوَّابُ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: الْأَوَّاهُ الرَّحِيمُ بِعِبَادِ اللَّهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْأَوَّاهُ الْمُوقِنُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ الْمُسْتَيْقِنُ بلغة الحبشة.