الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ (مَسْجِدَ اللَّهِ) عَلَى التَّوْحِيدِ، وَأَرَادَ بِهِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى. {وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [التوبة: 19] وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28] وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: (مَسَاجِدَ اللَّهِ) بِالْجَمْعِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَيْضًا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ. قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّمَا قَالَ مَسَاجِدَ لِأَنَّهُ قِبْلَةُ الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا. قَالَ الْفَرَّاءُ: رُبَّمَا ذَهَبَتِ الْعَرَبُ بِالْوَاحِدِ إِلَى الْجَمْعِ وَبِالْجَمْعِ إِلَى الْوَاحِدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ يَرْكَبُ الْبِرْذَوْنَ فَيَقُولُ: أَخَذْتُ فِي رُكُوبِ الْبَرَاذِينَ، وَيُقَالُ: فُلَانٌ كَثِيرُ الدِّرْهَمِ والدينار، يريد الدراهم والدنانير. وقوله تَعَالَى: {شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} [التوبة: 17] أَرَادَ وَهُمْ شَاهِدُونَ، فَلَمَّا طُرِحَتْ (وَهُمْ) نَصَبَتَ، قَالَ الْحَسَنُ: لَمْ يَقُولُوا: نَحْنُ كُفَّارٌ وَلَكِنَّ كَلَامَهُمْ بِالْكُفْرِ شَاهِدٌ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: شَهَادَتُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ سُجُودُهُمْ لِلْأَصْنَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ كَانُوا نَصَبُوا أَصْنَامَهُمْ خَارِجَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ عِنْدَ الْقَوَاعِدِ، وَكَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، كُلَّمَا طَافُوا شَوْطًا سَجَدُوا لِأَصْنَامِهِمْ، وَلَمْ يَزْدَادُوا بِذَلِكَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا بُعْدًا. وَقَالَ السُّدِّيُّ: شَهَادَتُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ وهو أَنَّ النَّصْرَانِيَّ يُسْأَلُ مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا نَصْرَانِيٌّ، وَالْيَهُودِيُّ يَقُولُ: أَنَا يَهُودِيٌّ، وَيُقَالُ لِلْمُشْرِكِ مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: مُشْرِكٌ. قَالَ اللَّهُ تعالى {أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [التوبة: 17] لِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, {وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} [التوبة: 17]

[18] قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ} [التوبة: 18] وَلَمْ يَخَفْ فِي الدِّينِ غَيْرَ الله لم يَتْرُكْ أَمْرَ اللَّهِ لِخَشْيَةِ غَيْرِهِ، {فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة: 18] (وعسى) مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ، أَيْ: فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ، وَالْمُهْتَدُونَ هُمُ الْمُتَمَسِّكُونَ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّتِي تؤدي إلى الجنة. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ " فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 18] » (?) .

[19] قوله: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ} [التوبة: 19] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قَالَ الْعَبَّاسُ حِينَ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ: لَئِنْ كُنْتُمْ سَبَقْتُمُونَا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، لَقَدْ كُنَّا نَعْمُرُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَنَسَقِي الْحَاجَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَأَخْبَرَ أَنَّ عِمَارَتَهُمُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وقيامهم على السقاية لا تنفعهم مع الشرك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015