وَيَسْتَعْطِفَهُ. وَقِيلَ: كَانَ أَخَاهُ لِأُمِّهِ دُونَ أَبِيهِ، {إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي} [الأعراف: 150] يَعْنِي عَبَدَةَ الْعِجْلِ، {وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي} [الأعراف: 150] هَمُّوا وَقَارَبُوا أَنْ يَقْتُلُونِي، {فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي} [الأعراف: 150] فِي مُؤَاخَذَتِكَ عَلَيَّ {مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف: 150] يعني عبدة العجل.
[151] {قَالَ} [الأعراف: 151] مُوسَى لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ عُذْرُ أخيه، {رَبِّ اغْفِرْ لِي} [الأعراف: 151] مَا صَنَعْتُ إِلَى أَخِي {وَلِأَخِي} [الأعراف: 151] إِنْ كَانَ مِنْهُ تَقْصِيرٌ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى عَبَدَةِ الْعِجْلِ، {وَأَدْخِلْنَا} [الأعراف: 151] جَمِيعًا {فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأعراف: 151]
[152] قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ} [الأعراف: 152] أَيِ: اتَّخَذُوهُ إِلَهًا {سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ} [الأعراف: 152] فِي الْآخِرَةِ {وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الأعراف: 152] قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: هُوَ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ قَتْلِ أَنْفُسِهِمْ. وَقَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ} [الأعراف: 152] أَرَادَ الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَيَّرَهُمْ بِصَنِيعِ آبَائِهِمْ، فَنَسَبَهُ إِلَيْهِمْ {سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الأعراف: 152] أَرَادَ مَا أَصَابَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجَلَاءِ. وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هُوَ الْجِزْيَةُ {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} [الأعراف: 152] الْكَاذِبِينَ، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: هُوَ وَاللَّهِ جَزَاءُ كُلِّ مُفْتَرٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَنْ يُذِلَّهُ اللَّهُ. قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: هَذَا فِي كُلِّ مُبْتَدِعٍ إِلَى يَوْمِ القيامة.
[153] قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأعراف: 153]
[154] قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَمَّا سَكَتَ} [الأعراف: 154] أَيْ: سَكَنَ، {عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ} [الأعراف: 154] الَّتِي كَانَ أَلْقَاهَا، وَقَدْ ذَهَبَتْ ستة أسباعها، {وَفِي نُسْخَتِهَا} [الأعراف: 154] قِيلَ: أَرَادَ بِهَا الْأَلْوَاحَ؛ لِأَنَّهَا نُسِخَتْ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَقِيلَ: إِنَّ مُوسَى لَمَّا أَلْقَى الْأَلْوَاحَ تَكَسَّرَتْ، فَنَسَخَ مِنْهَا نُسْخَةً أُخْرَى فَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: {وَفِي نُسْخَتِهَا} [الأعراف: 154] وَقِيلَ: أَرَادَ وَفِيمَا نَسَخَ مِنْهَا. وَقَالَ عَطَاءٌ: فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: لَمَّا أَلْقَى مُوسَى الْأَلْوَاحَ فكسرت صَامَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَرُدَّتْ عَلَيْهِ فِي لَوْحَيْنِ فَكَانَ فِيهِ، {هُدًى وَرَحْمَةٌ} [الأعراف: 154] أَيْ: هُدًى مِنَ الضَّلَالَةِ وَرَحْمَةً مِنَ الْعَذَابِ، {لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: 154] أَيْ: لِلْخَائِفِينَ مِنْ رَبِّهِمْ، وَاللَّامُ فِي (لِرَبِّهِمْ) زِيَادَةُ تَوْكِيدٍ، كَقَوْلِهِ: {رَدِفَ لَكُمْ} [النَّمْلُ: 72] وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: لَمَّا تَقَدَّمَتْ قَبْلَ الْفِعْلِ حَسُنَتْ، كَقَوْلِهِ: {لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يُوسُفُ: 43] وَقَالَ قُطْرُبٌ: أَرَادَ مِنْ رَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ. وَقِيلَ: أَرَادَ رَاهِبُونَ. وَقِيلَ: أَرَادَ راهبون لربهم.
[155] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155] أَيْ: مِنْ قَوْمِهِ فَانْتَصَبَ لِنَزْعِ حَرْفِ الصِّفَةِ. {سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا} [الأعراف: 155] وفيه دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوا الْعِجْلَ. قَالَ السُّدِّيُّ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مُوسَى أَنْ يَأْتِيَهُ فِي نَاسٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ