اسْتَخْدَمَهُمْ فِي الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ مِنْ ضَرْبِ اللَّبِنِ وَنَقْلِ التُّرَابِ وَنَحْوِهِمَا، فَقَالَ فِرْعَوْنُ مُجِيبًا لِمُوسَى.
[106] {قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الأعراف: 106]
[107] {فَأَلْقَى} [الأعراف: 107] موسى {عَصَاهُ} [الأعراف: 107] مِنْ يَدِهِ {فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} [الأعراف: 107] وَالثُّعْبَانُ: الذَّكَرُ الْعَظِيمُ مِنَ الْحَيَّاتِ، فَإِنْ قِيلَ. أَلَيْسَ قَدْ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ {كَأَنَّهَا جَانٌّ} [النَّمْلُ: 10] وَالْجَانُّ الْحَيَّةُ الصَّغِيرَةُ؟ قِيلَ: إِنَّهَا كَانَتْ كَالْجَانِّ فِي الْحَرَكَةِ وَالْخِفَّةِ، وَهِيَ فِي جُثَّتِهَا حَيَّةٌ عَظِيمَةٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ: إِنَّهُ لَمَّا أَلْقَى الْعَصَا صَارَتْ حَيَّةً عَظِيمَةً صَفْرَاءَ شَعْرَاءَ فَاغِرَةً فَاهَا مَا بَيْنَ لِحْيَيْهَا ثَمَانُونَ ذِرَاعًا وَارْتَفَعَتْ مِنَ الْأَرْضِ بِقَدْرِ مِيلٍ، وَقَامَتْ لَهُ عَلَى ذَنَبِهَا وَاضِعَةً لِحْيَهَا الْأَسْفَلَ فِي الْأَرْضِ وَالْأَعْلَى عَلَى سُورِ الْقَصْرِ، وَتَوَجَّهَتْ نحو فرعون لتأخذه، وَحَمَلَتْ عَلَى النَّاسِ فَانْهَزَمُوا وَصَاحُوا وَدَخَلَ فِرْعَوْنُ الْبَيْتَ وَصَاحَ يَا مُوسَى أُنْشَدُكَ بِالَّذِي أَرْسَلَكَ خُذْهَا وَأَنَا أُؤْمِنُ بِكَ وَأُرْسِلُ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَخَذَهَا مُوسَى فَعَادَتْ عَصَا كَمَا كَانَتْ ثُمَّ قَالَ فِرْعَوْنُ: هَلْ مَعَكَ آيَةٌ أُخْرَى؟ قَالَ: نَعَمْ.
[108] {وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} [الأعراف: 108] فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِهِ ثُمَّ نَزَعَهَا، وَقِيلَ: أَخْرَجَهَا مِنْ تَحْتِ إِبِطَهَ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لَهَا شُعَاعٌ غَلَبَ نُورَ الشَّمْسِ، وَكَانَ مُوسَى آدَمَ، ثُمَّ أَدْخَلَهَا جَيْبَهُ فَصَارَتْ كَمَا كَانَتْ.
[109] {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 109] يَعْنُونَ أَنَّهُ لَيَأْخُذُ بِأَعْيُنِ النَّاسِ حَتَّى يُخَيِّلَ إِلَيْهِمُ الْعَصَا حَيَّةً وَالْآدَمَ أَبْيَضَ، وَيُرِيَ الشَّيْءَ بِخِلَافِ مَا هُوَ بِهِ.
[110] {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ} [الأعراف: 110] يَا مَعْشَرَ الْقِبْطِ، {مِنْ أَرْضِكُمْ} [الأعراف: 110] مصر، {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الأعراف: 110] أَيْ: تُشِيرُونَ إِلَيْهِ، هَذَا يَقُولُهُ فِرْعَوْنُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ، وَقِيلَ: هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمَلَأِ لِفِرْعَوْنَ وخاصته.
[111] {قَالُوا} [الأعراف: 111] يعني الملأ، {أَرْجِهْ} [الأعراف: 111] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ وَابْنُ عَامِرٍ بِالْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْهَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِلَا هَمْزٍ، ثُمَّ نافع رواية وَرْشٍ وَالْكِسَائِيُّ يُشْبِعَانِ الْهَاءَ كَسْرًا، وَيُسَكِّنُهَا عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ، وَيَخْتَلِسُهَا أَبُو جَعْفَرٍ وَقَالُونَ، قَالَ عَطَاءٌ: مَعْنَاهُ أخره. وقيل: احبسه، {وَأَخَاهُ} [الأعراف: 111] مَعْنَاهُ أَشَارُوا عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِ أَمْرِهِ وَتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَهُ بِالْقَتْلِ، {وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} [الأعراف: 111] يعني الشرط في المدائن، وَهِيَ مَدَائِنُ الصَّعِيدِ مِنْ نَوَاحِي مصر، قالوا: أرسل إلى هذه الْمَدَائِنِ رِجَالًا يَحْشُرُونَ إِلَيْكَ مَنْ فِيهَا مِنَ السَّحَرَةِ، وَكَانَ رُؤَسَاءُ السَّحَرَةِ بِأَقْصَى مَدَائِنِ الصَّعِيدِ، فَإِنْ غَلَبَهُمْ مُوسَى صَدَقْنَاهُ وَإِنْ غَلَبُوا عَلِمْنَا أَنَّهُ سَاحِرٌ.
[112] فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} [الأعراف: 112]