{وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا} [الْمُرْسَلَاتُ: 3] وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الشِّينِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ النُّونِ وَالشِّينِ، جَمْعُ نُشُورٍ، مِثْلَ صَبُورٍ وَصَبْرٍ وَرَسُولٍ وَرُسُلٍ، أَيْ: مُتَفَرِّقَةٌ وَهِيَ الرِّيَاحُ الَّتِي تَهُبُّ مِنْ كُلِّ ناحية. {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الأعراف: 57] أي: قدام المطر {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ} [الأعراف: 57] حملت الرياح، {سَحَابًا ثِقَالًا} [الأعراف: 57] بالمطر، {سُقْنَاهُ} [الأعراف: 57] وَرَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى السَّحَابِ، {لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} [الأعراف: 57] إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ مُحْتَاجٍ إِلَى الْمَاءِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لِإِحْيَاءِ بَلَدٍ مَيِّتٍ لَا نَبَاتَ فِيهِ {فَأَنْزَلْنَا بِهِ} [الأعراف: 57] أَيْ: بِالسَّحَابِ. وَقِيلَ: بِذَلِكَ الْبَلَدِ الميت، {الْمَاءَ} [الأعراف: 57] يَعْنِي: الْمَطَرَ، {فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى} [الأعراف: 57] اسْتَدَلَّ بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 57] قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا مَاتَ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَطَرًا كَمَنِيِّ الرِّجَالِ مِنْ مَاءٍ تَحْتَ الْعَرْشِ يُدْعَى مَاءَ الْحَيَوَانِ، فَيُنْبَتُونَ فِي قُبُورِهِمْ نَبَاتَ الزَّرْعِ حَتَّى إِذَا اسْتُكْمِلَتْ أَجْسَادُهُمْ نَفَخَ فِيهِمُ الرُّوحَ، ثُمَّ يُلْقِي عَلَيْهِمُ النُّوَّمَ فَيَنَامُونَ فِي قُبُورِهِمْ، ثُمَّ يُحْشَرُونَ بِالنَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ وَهُمْ يَجِدُونَ طَعْمَ النَّوْمِ فِي رُءُوسِهِمْ وَأَعْيُنِهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُونَ: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس: 52]

قوله تعالى والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه

[قوله تعالى وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ] وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا. . . .

[58] قوله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [الأعراف: 58] هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، فَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ الْبَلَدِ الطَّيِّبِ يُصِيبُهُ الْمَطَرُ فَيَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ، {وَالَّذِي خَبُثَ} [الأعراف: 58] يُرِيدُ الْأَرْضَ السَّبْخَةَ الَّتِي، {لَا يَخْرُجُ} [الأعراف: 58] نباتها، {إِلَّا نَكِدًا} [الأعراف: 58] قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ بِفَتْحِ الْكَافِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِهَا، أَيْ: عُسْرًا قَلِيلًا بِعَنَاءٍ وَمَشَقَّةٍ. فَالْأَوَّلُ مِثْلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي إِذَا سَمِعَ الْقُرْآنَ وَعَاهُ وَعَقَلَهُ وَانْتَفَعَ بِهِ، وَالثَّانِي مِثْلُ الْكَافِرِ الَّذِي يَسْمَعُ الْقُرْآنَ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، كَالْبَلَدِ الْخَبِيثِ الَّذِي لَا يُتَبَيَّنُ أَثَرُ الْمَطَرِ فيه {كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ} [الأعراف: 58] نبينها، {لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} [الأعراف: 58] عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَةٌ أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تَنْبُتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مِثْلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمِثْلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الذي أرسلت به» (?) .

[59] قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [الأعراف: 59] وَهُوَ نُوحُ بْنُ لَمْكَ بْنِ مَتُّوشَلَخَ بْنِ أَخَنُوخَ وَهُوَ إِدْرِيسُ، وَهُوَ أَوَّلُ نَبِيٍّ بُعِثَ بَعْدَ إدريس فَقَالَ، لِقَوْمِهِ، {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59] قرأ أبو جعفر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015