(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بِمُوسَى وَعِيسَى (آمِنُوا) بِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ، وقال مجاهد: أراد بهم الْمُنَافِقِينَ، يَقُولُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بِاللِّسَانِ (آمِنُوا) بِالْقَلْبِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَجَمَاعَةٌ: هَذَا خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، يَقُولُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) آمِنُوا أَيْ أَقِيمُوا وَاثْبُتُوا عَلَى الْإِيمَانِ، كَمَا يُقَالُ لِلْقَائِمِ: قُمْ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ، أَيِ اثْبُتْ قَائِمًا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ أَهْلَ الشِّرْكِ، يَعْنِي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى (آمِنُوا) بالله ورسوله.
[137] قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا} [النساء: 137] قَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الْيَهُودُ آمَنُوا بِمُوسَى ثُمَّ كَفَرُوا مِنْ بَعْدُ بِعِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ، ثُمَّ آمَنُوا بِالتَّوْرَاةِ ثُمَّ كَفَرُوا بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: هُوَ فِي جَمِيعِ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنُوا بِنَبِيِّهِمْ ثُمَّ كَفَرُوا بِهِ، وَآمَنُوا بِالْكِتَابِ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ كَفَرُوا بِهِ، وَكُفْرُهُمْ بِهِ تَرْكُهُمْ إِيَّاهُ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: هَذَا فِي قَوْمٍ مُرْتَدِّينَ آمَنُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا أَيْ مَاتُوا عَلَيْهِ، {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ} [النساء: 137] مَا أَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ، {وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} [النساء: 137] أَيْ طَرِيقًا إِلَى الْحَقِّ، فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ إِنْ كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ؟ قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا أَسْلَمَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَدَامَ عَلَيْهِ يُغْفَرُ لَهُ كُفْرُهُ السَّابِقُ، فَإِنَّ أَسْلَمَ ثُمَّ كَفَرَ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ كَفَرَ لَا يُغْفَرُ لَهُ كُفْرُهُ السَّابِقُ الَّذِي كَانَ، يُغْفَرُ لَهُ لَوْ أنه دَامَ عَلَى الْإِسْلَامِ.
[138] {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ} [النساء: 138] أَخْبِرْهُمْ يَا مُحَمَّدُ {بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 138] وَالْبِشَارَةُ: كُلُّ خَبَرٍ يَتَغَيَّرُ بِهِ بَشَرَةُ الْوَجْهِ سَارًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ سَارٍّ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ اجْعَلْ فِي مَوْضِعِ بِشَارَتِكَ لَهُمُ الْعَذَابَ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: تَحِيَّتُكَ الضَّرْبُ وَعِتَابُكَ السَّيْفُ، أَيْ: بَدَلًا لَكَ مِنَ التَّحِيَّةِ، ثُمَّ وَصَفَ الْمُنَافِقِينَ فَقَالَ:
[139] {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ} [النساء: 139] يَعْنِي يَتَّخِذُونَ الْيَهُودَ أَوْلِيَاءَ وَأَنْصَارًا أَوْ بِطَانَةً {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ} [النساء: 139] أَيْ الْمَعُونَةَ وَالظُّهُورَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وقيل: أيطلبون عندهم القوة، {فَإِنَّ الْعِزَّةَ} [النساء: 139] أَيْ: الْغَلَبَةَ وَالْقُوَّةَ وَالْقُدْرَةَ، {لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 139]
[140] {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} [النساء: 140] قَرَأَ عَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ (نَزَّلَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالزَّايِ، أَيْ: نَزَّلَ اللَّهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (نُزِّلَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الزَّايِ، أَيْ: عَلَيْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ {أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ} [النساء: 140] يَعْنِي الْقُرْآنَ {يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ} [النساء: 140] يعني: مع الذين يستهزؤون، {حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء: 140] أَيْ: يَأْخُذُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِ الِاسْتِهْزَاءِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَهَذَا