ثُمَّ قَالَ مُعَزِّيًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

[184] {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} [آل عمران: 184] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ: (وَبِالزُّبُرِ) أَيْ: بِالْكُتُبِ الْمَزْبُورَةِ، يَعْنِي: الْمَكْتُوبَةَ، وَاحِدُهَا مِثْلَ: رَسُولٍ وَرُسُلٍ، {وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} [آل عمران: 184] الْوَاضِحِ الْمُضِيءِ.

[185] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كُلُّ نَفْسٍ} [آل عمران: 185] منفوسة {ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ} [آل عمران: 185] تُوَفَّوْنَ جَزَاءَ أَعْمَالِكُمْ، {يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 185] إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فشر، {فَمَنْ زُحْزِحَ} [آل عمران: 185] نحي وَأُزِيلَ، {عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185] يَعْنِي مَنْفَعَةٌ وَمُتْعَةٌ كَالْفَأْسِ وَالْقِدْرِ والقصعة، ثم يزول ولا يبقى، وَقَالَ الْحَسَنُ: كَخُضْرَةِ النَّبَاتِ وَلَعِبِ الْبَنَاتِ لَا حَاصِلَ لَهُ، قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ مَتَاعٌ مَتْرُوكَةٌ يُوشِكُ أَنْ تَضْمَحِلَّ بِأَهْلِهَا، فَخُذُوا مِنْ هَذَا الْمَتَاعِ بِطَاعَةِ اللَّهِ مَا استطعتم، والغرور الباطل.

[186] {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 186] (لَتُبْلَوُنَّ) لتختبرن، اللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ، وَفِيهِ مَعْنَى الْقَسَمِ، وَالنُّونُ لِتَأْكِيدِ الْقَسَمِ (فِي أَمْوَالِكُمْ) بِالْجَوَائِحِ وَالْعَاهَاتِ وَالْخُسْرَانِ (وَأَنْفُسِكُمْ) بِالْأَمْرَاضِ، وَقِيلَ: بِمَصَائِبِ الْأَقَارِبِ وَالْعَشَائِرِ، قَالَ عَطَاءٌ: هُمُ الْمُهَاجِرُونَ أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ أَمْوَالَهُمْ وَرِبَاعَهُمْ وَعَذَّبُوهُمْ، وَقَالَ الْحَسَنُ: هو ما فرض عليهم من أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ مِنَ الْحُقُوقِ، كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالزَّكَاةِ، {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [آل عمران: 186] يَعْنِي: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} [آل عمران: 186] يَعْنِي: مُشْرِكِي الْعَرَبِ، {أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا} [آل عمران: 186] على أذاهم {وَتَتَّقُوا} [آل عمران: 186] اللَّهَ، {فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران: 186] مِنْ حَقِّ الْأُمُورِ وَخَيْرِهَا، وَقَالَ عطاء: من حقيقة الإيمان.

قوله تعالى وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب

[قوله تعالى وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ] لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ. . . .

[187] {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ وَأَبُو بَكْرٍ بِالْيَاءِ فِيهِمَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ) ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ فِيهَا عَلَى إِضْمَارِ القول، {فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران: 187] أَيْ طَرَحُوهُ وَضَيَّعُوهُ وَتَرَكُوا الْعَمَلَ بِهِ، {وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 187] يَعْنِي الْمَآكِلَ وَالرُّشَا {فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران: 187] قَالَ قَتَادَةُ: هَذَا مِيثَاقٌ أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ فَمَنْ عَلِمَ شَيْئًا فَلْيُعَلِّمْهُ، وَإِيَّاكُمْ وَكِتْمَانَ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ هَلَكَةٌ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: لَوْلَا مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْءٍ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ.

[188] {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} [آل عمران: 188] قَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (لَا تَحْسَبَنَّ) بِالتَّاءِ، أَيْ: لَا تَحْسَبَنَّ يَا مُحَمَّدُ الْفَارِحِينَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بالياء لا تحسبن الفارحون في فَرَحَهُمْ مُنْجِيًا لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو (فلا يحسبنهم) بالياء وضم الياء خَبَرًا عَنِ الْفَارِحِينَ، أَيْ فَلَا يَحْسَبُنَّ أَنْفُسَهُمْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ، أَيْ: فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ يَا مُحَمَّدُ، وَأَعَادَ قَوْلَهُ (فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ) تأكيدا قَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي فِنْحَاصَ وأسيبع وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْأَحْبَارِ يَفْرَحُونَ بِإِضْلَالِهِمُ الناس بنسبة النَّاسِ إِيَّاهُمْ إِلَى الْعِلْمِ وَلَيْسُوا بِأَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمُ الْيَهُودُ فَرِحُوا بِإِعْجَابِ النَّاسِ بِتَبْدِيلِهِمُ الْكِتَابَ وَحَمْدِهِمْ إِيَّاهُمْ عَلَيْهِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُمُ الْيَهُودُ فَرِحُوا بِمَا أَعْطَى اللَّهُ آلَ إِبْرَاهِيمَ وَهُمْ بُرَآءُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: أَتَتْ يَهُودُ خَيْبَرَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: نَحْنُ نَعْرِفُكَ ونصدقك هانا على رأيك ونحن لك رِدْءٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَلَمَّا خَرَجُوا قَالَ لَهُمُ الْمُسْلِمُونَ: مَا صَنَعْتُمْ؟ قَالُوا: عَرَفْنَاهُ وَصَدَّقْنَاهُ، فَقَالَ لَهُمُ الْمُسْلِمُونَ: أَحْسَنْتُمْ هَكَذَا فَافْعَلُوا، فَحَمِدُوهُمْ وَدَعَوْا لَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ: (يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا) قَالَ الْفَرَّاءُ بِمَا فَعَلُوا، كَمَا قَالَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015