صَدْرِهِ، فَقَالَ لَهُمْ: قَدْ ذَهَبَتْ مِنِّي الْآنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْمَكْرُ وَالْحِيلَةُ، فَسَأَمْكُرُ لَكُمْ وَأَحْتَالُ، جَمِّلُوا النِّسَاءَ وَأَعْطُوهُنَّ السِّلَعَ، ثم أرسولهن إِلَى الْعَسْكَرِ يَبِعْنَهَا فِيهِ، وَمُرُوهُنَّ فَلَا تَمْنَعُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا مِنْ رَجُلٍ أَرَادَهَا، فَإِنَّهُمْ إِنْ زنى رجل واحد منهم كُفِيتُمُوهُمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمَّا دَخَلَ النِّسَاءُ الْعَسْكَرَ مَرَّتِ امرأة من الكنعانيين بِرَجُلٍ مِنْ عُظَمَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُوَ (زَمْرَى بن شلوم) رأس سبط شمعون بن يعقوب، فلما رآها أعجبته، فقام فأخذ بيدها، وأتى بها موسى وقال: إني سأظنك ستقول: هذا حرام عليك لا تقربها، قال: أجل هي حرام عليك، قال: فوالله لا أطيعك في هذا، فدخل بِهَا قُبَّتَهُ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، وَأَرْسَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ الطَّاعُونَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ (فِنْحَاصُ) صاحب أمر موسى غَائِبًا حِينَ صَنَعَ زَمْرَى بْنُ شَلُومَ مَا صنع، فجاء الطاعون يجوس فيهم، فأخبر الخبر، فأخذ حربته ثُمَّ دَخَلَ الْقُبَّةَ وَهُمَا مُتَضَاجِعَانِ فَانْتَظَمَهُمَا بِحَرْبَتِهِ ثم خرج بهما رافعهما إلى السماء وَجَعَلَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَكَذَا نَفْعَلُ بِمَنْ يَعْصِيكَ، وَرُفِعَ الطَّاعُونُ، فَحُسِبَ مَنْ هَلَكَ مِنْ بَنِي إسرائيل في الطاعون فيما بين أَصَابَ زَمْرَى الْمَرْأَةَ إِلَى أَنْ قَتَلَهُ فِنْحَاصُ، فَوَجَدُوهُ قَدْ هَلَكَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا، وَالْمُقَلِّلُ لَهُمْ يَقُولُ عِشْرُونَ أَلْفًا فِي سَاعَةً مِّنَ النهار، فَفِي بَلْعَامَ بْنِ بَاعُورَاءَ أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا - إلى قوله - لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}. (رواه محمد بن إسحاق عن سالم أبي النضر وأخرجه ابن جرير بمثله وفيه أن الزنى وقع من عدد من الجند الذين كانوا مع موسى عليه السلام فسلط اللَّهُ عَلَيْهِمُ الطَّاعُونَ فَمَاتَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا}. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ في معناه، فعلى سياق ابن إسحاق عن سالم أبي النضر أن بلعاماً انْدَلَعَ لِسَانُهُ عَلَى صَدْرِهِ فَتَشْبِيهُهُ بِالْكَلْبِ فِي لَهْثِهِ فِي كِلْتَا حَالَتَيْهِ إِنْ زُجِرَ وَإِنْ ترك ظاهر، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَصَارَ مِثْلَهُ فِي ضَلَالِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ فِيهِ وَعَدَمِ انْتِفَاعِهِ بِالدُّعَاءِ إِلَى الْإِيمَانِ وَعَدَمِ الدعاء،

كالكلب في لهيثه فِي حَالَتَيْهِ إِنْ حَمَلْتَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ تَرِكْتَهُ هُوَ يَلْهَثُ فِي الْحَالَيْنِ، فَكَذَلِكَ هَذَا لَا يَنْتَفِعُ بِالْمَوْعِظَةِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى الْإِيمَانِ وَلَا عَدَمِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يؤمنون}، {استغفر لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ}. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ قَلْبَ الْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ وَالضَّالِّ ضَعِيفٌ فَارِغٌ مِنَ الْهُدَى فَهُوَ كَثِيرُ الْوَجِيبِ فعبر عن هذا بهذا (نقل نحو هذا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ)، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، يَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ} أَيْ لَعَلَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْعَالِمِينَ بِحَالِ بَلْعَامَ، وَمَا جَرَى لَهُ فِي إِضْلَالِ اللَّهِ إِيَّاهُ وَإِبْعَادِهِ مِنْ رَحْمَتِهِ، بِسَبَبِ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي تَعْلِيمِهِ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، فِي غَيْرِ طَاعَةِ رَبِّهِ، بَلْ دَعَا بِهِ عَلَى حِزْبِ الرَّحْمَنِ، وَشِعْبِ الْإِيمَانِ، أَتْبَاعِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، كَلِيمِ اللَّهِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلِهَذَا قَالَ: {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} أَيْ فَيَحْذَرُوا أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَاهُمْ عِلْمًا وَمَيَّزَهُمْ عَلَى مَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ، وَجَعَلَ بِأَيْدِيهِمْ صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِفُونَهَا كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ، فَهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ وَأَوْلَاهُمْ بِاتِّبَاعِهِ ومناصرته وموازرته كَمَا أَخْبَرَتْهُمْ أَنْبِيَاؤُهُمْ بِذَلِكَ وَأَمَرَتْهُمْ بِهِ، وَلِهَذَا مَنْ خَالَفَ مِنْهُمْ مَا فِي كِتَابِهِ وَكَتَمَهُ فَلَمْ يُعْلِمْ بِهِ الْعِبَادَ، أَحَلَّ اللَّهُ بِهِ ذُلًّا فِي الدُّنْيَا مَوْصُولًا بِذُلِّ الْآخِرَةِ، وَقَوْلُهُ: {ساء مَثَلُ القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} يقول تعالى: ساء مثلاً الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أَيْ سَاءَ مَثَلُهُمْ أن شبهوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015