أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ
- 173 - أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ
- 174 - وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يُرْجَعُونَ
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ اسْتَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ بَنِي آدَمَ، مِنْ أَصْلَابِهِمْ، شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّ اللَّهَ رَبُّهُمْ وَمَلِيكُهُمْ، وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، كَمَا أَنَّهُ تَعَالَى فَطَرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وجبلهم عليه، قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لخلق الله}،
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ». وقال ابن جرير عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سُرَيْعٍ مِنْ بَنِي سَعْدٍ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ غَزَوَاتٍ، قَالَ: فَتَنَاوَلَ الْقَوْمُ الذرية بعدما قَتَلُوا الْمُقَاتَلَةَ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «ما بال أقوام يتناولون الذرية»؟ فقال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسُوا أَبْنَاءَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: «إِنَّ خِيَارَكُمْ أَبْنَاءُ الْمُشْرِكِينَ، أَلَا إِنَّهَا ليست نسمة ولد تُولَدُ إِلَّا وُلِدَتْ عَلَى الْفِطْرَةِ فَمَا تَزَالُ عَلَيْهَا حَتَّى يُبَيِّنَ عَنْهَا لِسَانُهَا، فَأَبَوَاهَا يُهَوِّدَانِهَا وينصرانها»، قَالَ الْحَسَنُ: وَاللَّهِ لَقَدْ قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} (رواه ابن جرير وأخرجه أحمد والنسائي) الآية. وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي أَخْذِ الذُّرِّيَّةِ مِنْ صُلْبِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَمْيِيزِهِمْ إِلَى أَصْحَابِ اليمين وأصحاب الشِّمَالِ، وَفِي بَعْضِهَا الِاسْتِشْهَادُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ ربهم، قال الإمام أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يُقَالُ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنَ شَيْءٍ أَكُنْتَ مُفْتَدِيًا بِهِ؟ قَالَ، فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ، قَدْ أَخَذْتُ عليك في ظهر آدم أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا فَأَبَيْتَ إِلَّا أَن تُشْرِكَ بِي" (رواه أحمد والشيخان).
(حديث آخر): قال الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ أَخَذَ الْمِيثَاقَ من ظهر آدم عليه السلام بنعمان يوم عَرَفَةَ، فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا فَنَثَرَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قُبُلًا قَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُواْ: بَلَى شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تقولوا - إلى قوله - المبطلون} (رواه أحمد والنسائي وابن أبي حاتم والحاكم في المستدرك).
عن أبي مسعود عن جرير قال: مات ابن للضحاك بن مزاحم ابْنُ سِتَّةِ أَيَّامٍ، قَالَ فَقَالَ: يَا جَابِرُ إِذَا أَنْتَ وَضَعْتَ ابْنِي فِي لَحْدِهِ فَأَبْرِزْ وَجْهَهُ وَحُلَّ عَنْهُ عُقَدَهُ، فَإِنَّ ابْنِي مُجْلَسٌ وَمَسْئُولٌ، فَفَعَلْتُ بِهِ الَّذِي أَمَرَ، فَلَمَّا فَرَغْتُ قلت: يرحمك الله عم يسأل ... مَنْ يَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟ قَالَ: يُسْأَلُ عَنِ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فِي صُلْبِ آدَمَ، قُلْتُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ: وَمَا هَذَا الْمِيثَاقُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ فِي صُلْبِ آدَمَ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي ابن عباس: أَنَّ اللَّهَ مَسَحَ صُلْبَ آدَمَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ كُلَّ نَسَمَةٍ هُوَ خَلَقَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَأَخَذَ مِنْهُمُ الْمِيثَاقَ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَتَكَفَّلَ لَهُمْ بِالْأَرْزَاقِ، ثُمَّ أَعَادَهُمْ فِي صُلْبِهِ، فَلَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ حَتَّى يُولَدَ من أعطى الميثاق يؤمئذ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْهُمُ الْمِيثَاقَ الْآخِرَ فَوَفَّى بِهِ نَفَعَهُ الْمِيثَاقُ الْأَوَّلُ، وَمَنْ أَدْرَكَ الْمِيثَاقَ الْآخِرَ فلم يقرَّ بِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ الْمِيثَاقُ الْأَوَّلُ، وَمَنْ مَاتَ صَغِيرًا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ الْمِيثَاقَ الْآخَرَ مَاتَ على الميثاق الأول على الفطرة.