الْكِتَابَ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْهِ تَمَامًا كَامِلًا جَامِعًا لما يحتاج إليه في شريعته، كقوله: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} الآية، وقوله تعالى: {عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} أَيْ جَزَاءً عَلَى إِحْسَانِهِ فِي الْعَمَلِ وَقِيَامِهِ بِأَوَامِرِنَا وَطَاعَتِنَا، كَقَوْلِهِ: {هَلْ جَزَآءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان}، وكقوله: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يوقنون}، وقال الربيع بن أنس {تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} يَقُولُ: أَحْسَنَ فِيمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: مَنْ أَحْسَنَ فِي الدنيا تم لَهُ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ إن تقديره: {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً} عَلَى إِحْسَانِهِ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي مَصْدَرِيَّةً، كَمَا قِيلَ فِي قوله تعالى: {وَخُضْتُمْ كالذي خاضوا} أي كخوضهم، وقال ابن رواحة:

وثبت اللَّهُ مَا آتَاكَ مِنْ حَسَنٍ * فِي الْمَرْسَلِينَ ونصراً كالذي نصروا.

وقال آخرون: الذي ههنا بمعنى الذين، وذكر عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يقرؤها: {تماماً على الذين أحسنوا}، وقال مجاهد: تَمَاماً عَلَى الذي أحسن: على المؤمنين والمحسنين، وقال البغوي: المحسنون الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُؤْمِنُونَ، يَعْنِي أَظْهَرْنَا فَضْلَهُ عَلَيْهِمْ، قُلْتُ: كقوله تَعَالَى: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى الناس بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي} وَلَا يَلْزَمُ اصْطِفَاؤُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْخَلِيلِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لأدلة أخرى. وقوله تعالى: {وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً} فِيهِ مَدْحٌ لِكِتَابِهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ {لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} فِيهِ الدَّعْوَةُ إِلَى اتِّبَاعِ القرآن يرغب سبحانه عباده في كتابه ويأمرهم بتدبره والعمل به والدعوة إليه، وَوَصْفِهِ بِالْبَرَكَةِ لِمَنِ اتَّبَعَهُ وَعَمِلَ بِهِ فِي الدنيا والآخرة لأنه حبل الله المتين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015