تحرفون، وتبدلون وتتأولون وتقولون: هذا من عند الله أَيْ فِي كِتَابِهِ الْمُنَزَّلِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلِهَذَا قَالَ: {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً}. وقوله تعالى: {وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوا أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ} أَيْ وَمَنْ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ الَّذِي عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فِيهِ مِنْ خَبَرِ مَا سَبَقَ، وَنَبَأِ مَا يأتي مَّا لَمْ تَكُونُواْ تعلمون ذلك لا أنتم ولا آباؤكم، وقد قَالَ قَتَادَةُ: هَؤُلَاءِ مُشْرِكُو الْعَرَبِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هذه للمسلمين.
وقوله تعالى: {قُلِ الله}، قال ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ قُلِ اللَّهُ أَنْزَلَهُ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، لَا مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ مَعْنَى {قُلِ اللَّهُ} أَيْ لا يكون خطابك لَهُمْ إِلَّا هَذِهِ الْكَلِمَةَ كَلِمَةَ «اللَّهُ»، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ يَكُونُ أَمْرًا بِكَلِمَةٍ مُفْرَدَةٍ مِنْ غَيْرِ تَرْكِيبٍ، وَالْإِتْيَانُ بِكَلِمَةٍ مُفْرَدَةٍ لَا يُفِيدُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ فَائِدَةً يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهَا. وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} أَيْ ثُمَّ دَعْهُمْ فِي جَهْلِهِمْ وَضَلَالِهِمْ يَلْعَبُونَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْيَقِينُ، فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ أَلَهُمُ الْعَاقِبَةُ أَمْ لِعِبَادِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ؟ وَقَوْلُهُ: {وَهَذَا كِتَابٌ} يَعْنِي الْقُرْآنَ {أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى} يَعْنِي مَكَّةَ {وَمَنْ حَوْلَهَا} مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ وَمِنْ سَائِرِ طَوَائِفِ بَنِي آدَمَ مِنْ عَرَبٍ وَعَجَمٍ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جميعاً}، وقال: {لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بلغ}، وَقَالَ: {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ}، وَقَالَ: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً}، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي» وَذَكَرَ مِنْهُنَّ: «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»، وَلِهَذَا قَالَ: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ} أَيْ كُلُّ مَنْ آمن بالله واليوم الآخر يؤمن بِهَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ وَهُوَ الْقُرْآنُ، {وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ} أي يقيمون بما فرض عَلَيْهِمْ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا.