جَازَيْنَاهُمْ مِنَ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ وَإِحْلَالِ الْغَضَبِ بِهِمْ من الذلة، بِسَبَبِ اسْتِكْبَارِهِمْ عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ، وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَإِهَانَتِهِمْ حَمَلة الشَّرْعِ وَهُمُ (الْأَنْبِيَاءُ) وَأَتْبَاعُهُمْ، فَانْتَقَصُوهُمْ إِلَى أَنْ أَفْضَى بِهِمُ الْحَالُ إِلَى أن قتلوهم فلا كفر أَعْظَمَ مِنْ هَذَا، إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَ اللَّهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْكِبْرُ بطرُ الحق وغَمْطُ الناسِ» (هذا جزء من حديث شريف وأوله «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مثقال ذرة من كِبْر .. » الحديث) يَعْنِي رَدَّ الْحَقِّ وَانْتِقَاصَ النَّاسِ وَالِازْدِرَاءَ بِهِمْ والتعاظم عليهم. ولهذا لما ارتكب بنوا إِسْرَائِيلَ مَا ارْتَكَبُوهُ مِنَ الْكُفْرِ بِآيَاتِ اللَّهِ وقتلهم أنبياءه، أَحَلَّ اللَّهُ بِهِمْ بَأْسَهُ الَّذِي لَا يُرد، وَكَسَاهُمْ ذُلًّا فِي الدُّنْيَا مَوْصُولًا بِذُلِّ الْآخِرَةِ جزاءً وفاقاً. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «كَانَتْ بنوا إسرائيل في اليوم تقتل ثلثمائة نبي ثم يقيمون سوق بقلهم من آخر النهار» (رواه أبو داود الطيالسي) وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أشدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رجلٌ قَتَلَهُ نَبِيٌّ أَوْ قَتَل نَبِيًّا، وَإِمَامُ ضَلَالَةٍ وَمُمَثِّلٌ مِنَ الْمُمَثِّلِينَ» (رواه الإمام أحمد في مسنده) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} وَهَذِهِ عِلَّةٌ أُخرى فِي مُجَازَاتِهِمْ بِمَا جُوزُوا بِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْصُونَ وَيَعْتَدُونَ، فَالْعِصْيَانُ فِعْلُ الْمَنَاهِي، والاعتداءُ الْمُجَاوَزَةُ فِي حَدِّ الْمَأْذُونِ فِيهِ والمأمور بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.